للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ظنه سوء في سلوك زوجته أن يقذفها بالزنا إذا رأى أمارة قوية, كما صرح بذلك بعض فقهائنا القدامى١، فإنه بناء على هذا، إذا جاءت فصيلة دم الولد مخالفة لما هو معروف علميا الآن من الفصائل المحتملة في هذا الزواج كان ذلك مبررا للزوج في جواز إقدامه على اتهام امرأته, التي يغلب على ظنه سوء سلوكها؛ لأمارة أخرى قوية مع هذه الأمارة، بجريمة الزنا ونفي الولد باعتبار أن تحليل الدم قرينة قوية تفيد غلبة الظن ولا تفيد اليقين كما كنت أرى قبل ذلك، مع ملاحظة أنه إذا لم ينف الزوج الولد فالقاعدة الشرعية أن الولد للفراش أي: ينسب للزوج، كما بين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".

وكل هذا بناء على ما قرره علماء الوراثة والأطباء، فالفتوى مبنية على أن ما قالوه وقرروه حقيقة علمية لا تقبل النقض، فهم المسئولون عن تقرير هذه الحقيقة العلمية، والفقه الإسلامي يتفق مع الحقائق العلمية.

لكن لا يكون تحليل الدم وسيلة لإثبات النسب، وهذا بناء على ما أكده الأطباء والمعمليون المعاصرون، فالفتوى تبنى على ما قرروه في ذلك، فهم المسئولون عن هذه النتيجة التي نحكيها عنهم، فإذا كان ما قرروه قد ثبت ثبوتا قطعيا لا يتخلف ولو مرة، فيكون الحكم كما بينا.

القسم الثاني: أن تكون دلالة القرينة لا تفيد اليقين لكنها تفيد غالب الظن الذي يقرب من اليقين، ويمكن التمثيل لهذا القسم بظهور الحمل على امرأة ليست مزوجة ولا معتدة، ووجود شخص سكران أو يتقايأ الخمر، فإن مثل هذا -كما سبق تقريره- يفيد ظنا غالبا يقار اليقين أن المرأة حملت من سفاح وأن السكران


١ يرى الحنابلة وبعض المالكية أنه يجوز للرجل أن يلاعن امرأته, إذا رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها ويخرج من عندها. تبصرة الحكام ج٢، ص١١٨ والطرق الحكمية ص٢٥ وبين بعض الحنفية أنه إذا كان للرجل جارية غير عفيفة تخرج وتدخل, ويعزل عنها سيدها, فجاءت بولد, وأكبر ظنه أنه ليس منه كان في سعة من نفيه. البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج٣، ص٢١٤.

<<  <   >  >>