وَأما تآلفي فِيمَا يتَعَلَّق بالعلوم الإسلامية وَغَيرهَا فَهِيَ تعم الْعَرَبيَّة والفارسية والهندية مَا بَين مُخْتَصر مِنْهَا ومطول ولي فِي كل هَذِه الْأَلْسِنَة يَد صَالِحَة وجارحة عاملة بِحَمْدِهِ تَعَالَى فَمن الْعَرَبيَّة هَذِه الرسَالَة الْمُسَمَّاة بالحطة والنفخة الأحمدية شرح الدُّرَر البهية للْإِمَام مُحَمَّد الشَّوْكَانِيّ وَالْجنَّة فِي مَسْأَلَة الْعَمَل بِالسنةِ والتنقيد فِي حكم التَّقْلِيد وَقَضَاء الأرب فِي مَسْأَلَة النّسَب وَشرح أَبْيَات التثبيت للشَّيْخ جلال الدّين السُّيُوطِيّ وربيع الْأَدَب فِي إنْشَاء الْعَرَب وَشرح مُخْتَصر الْمِيزَان الْمُسَمّى بقسطاس الأذهان وَغير ذَلِك وَمن الفارسية الندية شرح الدُّرَر البهية وَهَذَا أكبر من ذَاك وجنان الْمُتَّقِينَ فِي ضبط مؤلفات الْمُحدثين وَالرمْح المصقول على من سبّ الرَّسُول وتكحيل الْعُيُون بتعاريف الْعُلُوم والفنون وإحياء الْمَيِّت بمناقب أهل الْبَيْت واقتراب السَّاعَة والصافية شرح الشافية والتذهيب فِي شرح التَّهْذِيب فِي النَّحْو وبشنويد فِي مَسْأَلَة الْكَفَاءَة وَبرد الأكباد شرح قصيدة بَانَتْ سعاد وَغير ذَلِك وَمن الْهِنْدِيَّة عين الْيَقِين تَرْجَمَة الْأَرْبَعين فِي أصُول الدّين للغزالي وَخير القرين تَرْجَمَة حَبل المتين لخواجه مُحَمَّد الْحَنَفِيّ فِي الحَدِيث وتحفة الصائمين وجامع السعادات وكشف الالتباس وَقطع الأوصال تَرْجَمَة قصر الآمال بِذكر الْحَال والمآل وَغير ذَلِك وَيزِيد الله فِي خلقه مَا يَشَاء
وَأما الْكتب الَّتِي عثرت عَلَيْهَا وطالعتها واستفدت مِنْهَا ومارستها فَهِيَ كَثِيرَة جمة تزيد على آلَاف وَإِنَّمَا الْمَذْكُور هَهُنَا الْكتب الَّتِي قرأناها وَحصل لنا سندها على الطَّرِيق الْمُقَرّر عِنْد أهل الْعلم دون جملَة الْكتب وَقد رزقت بِحَمْدِهِ سُبْحَانَهُ طبعا سليما لَا اعوجاج فِيهِ وَقَلْبًا مُسْتَقِيمًا لَا انزعاج مَعَه أحب الْعلم وأهليه وَعَلِيهِ جبلت وَأبْغض الْجَهْل وَذَوِيهِ وَله خلقت حَتَّى حصلت مِنْهُ على ذوق لَا استطيع أَن أعبر عَنهُ بِلَفْظ مفهم وَإِن عبرت وَلم آل جهدا لم آتٍ بِمَعْنى مفحم وَأرى أَنه لَيْسَ لعلماء الْبَاطِن ذوق فِي أَمرهم إِلَّا مثله فيضيقون ذرعا أَن يعبروا عَنهُ وَإِن عبروا عابوا أَهله وَقد رَزَقَنِي الله تَعَالَى مَحْض إنصاف لَا مزاج لَهُ فِي أَمر الدّين وأولاني بحت عدل لَا قراح مَعَه فِي سلوك الشَّرْع الْمُبين وظني أَنه لم يرزقه إِلَّا
الْقُرُون الأولى اللَّهُمَّ إِلَّا مَا شَاءَ الله تَعَالَى كَيفَ وَكَثِيرًا مَا يتَّفق لي إِلَى الْآن أَنِّي أمتنع عَن السِّتَّة الضرورية للْإنْسَان عِنْد غوصي فِي بحار الْعُلُوم ولدى خوضي فِي منطوقها وَالْمَفْهُوم كَمَا قيل فِي المنظوم نظم
(لَهَا أَحَادِيث من ذكراك تشغلها ... عَن الشَّرَاب وتلهيها عَن الزَّاد)
(إِذا شكت من كلال السّير واعدها ... روح الْقُلُوب فتحيي عِنْد ميعاد)
وَهَذَا الَّذِي يعوقني كل زمَان عَن صُحْبَة أهل الزَّمَان إِلَّا فِي أَوْقَات قليلات وساعات قصيرات تعتري فِيهَا الْحَاجَات وتعن الضرورات وَقد طَالَتْ فِي هَذَا الْعَصْر الْعلَّة وَطَابَتْ الْعُزْلَة فَلَيْسَ فِي اللِّقَاء وَالْحَرَكَة هَذَا الْآن نفع وَلَا بركَة والا نقطاع أُرِيح مَتَاع والاجتماع جالب للصداع والاختلاط محرك الأخلاط والوحشة استئناس وَأجْمع للحواس فَهَذَا زمَان السُّكُوت وملازمة الْبيُوت فالحر حر وَإِن مَسّه الضّر وَالْعَبْد عبد وَإِن مَشى على الدّرّ نظم
(صبرت على بعض الْأَذَى خوف كُله ... ودافعت عَن نَفسِي لنَفْسي فعزت)
(وجرعتها الْمَكْرُوه حَتَّى تدربت ... وَلَو لم أجرعها إِذن لاشمأزت)
(أَلا رب ذل سَاق للنَّفس عزة ... وَيَا رب نفس بالتذلل عزت)
(إِذا مَا مددت الْكَفّ ألتمس الْغنى ... إِلَى غير من قَالَ اسألوني شلت)
(فاصبر جهدي إِن فِي الصَّبْر عزة ... وأرضي بدنياي وَإِن هِيَ قلت)
وَالله تَعَالَى أسأله أَن يَرْزُقنِي شَهَادَة فِي سَبيله وَيجْعَل موتِي فِي بلد رَسُوله إِنَّه على ذَلِك قدير وبالإجابة جدير وَليكن هَذَا آخر مَا أردْت إِيرَاده فِي هَذِه الرسَالَة على سَبِيل الارتجال والعجالة وَقد انْتهى إِلَى الْبيَاض واستراح اليراع المرتاض عَن كِتَابَة هَذِه الْمقَالة فِي رَمَضَان الْمُبَارك سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف من هِجْرَة من كَانَ يروي أَمَامه وَالْخلف صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم وَأهل الحَدِيث الناسجين على منواله مَا تلعلع قمر وازدهى وَإِلَى غَايَة كَمَاله انْتهى