إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
فلباب البرّ هو هذا النّشا، والشّهاد يعني به العسل.
ألا ترى أنّ عمر بن الخطاب يقول:«أتروني لا أعرف طيّب الطعام؟
لباب البرّ بصغار المعزى» ، يعني خبز الحوّاري بصغار الجداء.
ولقد مدحتهم الشّعراء كما يمدح الملوك، ومدحتهم الفرسان والأشراف وأخذوا جوائزهم؛ منهم: دريد بن الصّمّة، وأميّة بن أبي الصّلت.
ومن خصالهم أنّهم لم يشاركوا العرب والأعراب في شيء من جفائهم، وغلظ شهواتهم؛ وكانوا لا يأكلون الضّباب، ولا شيئا من الحشرات، ألا ترى أنّ النبي- صلّى الله عليه وسلم- أتوا خوانه بضبّ فقال:«ليس من طعام قومي» ، لأنّهم لم يكونوا يحرشون الضّباب، ويصيدون اليرابيع، ويملّون القنافذ، أصحاب الخمر والخمبر، وخبز التّنانير.
وقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر» .
وذلك أنّ جميع قبائل العرب إنّما كانت القبيلة لا تكاد ترى وتسمع إلّا من قبيلتها ورجالها، فليس عندهم، إلّا عند قبيل واحد، من البيان والأدب والرأي والأخرق، والشمائل، والحلم والنّجدة والمعرفة، إلّا في الفرط.
وكانت العرب قاطبة ترد مكّة في أيّام الموسم، وترد أسواق عكاظ وذا المجاز؛ وتقيم هناك الأيّام الطّوال، فتعرف قريش، لاجتماع الأخلاق لهم [و] الشّمائل والألفاظ، والعقول والأحلام، وهي وادعة وذلك قائم لها، راهن عندها في كلّ عام، تتملّك عليهم فيقتسمونهم، فتكون غطفان للميرة، وبنو عامر لكذا، وتميم لكذا، تغلبها المناسك وتقوم بجميع شأنها.