بل شَيْئا قَلِيلا فِي كل مرّة وَذَلِكَ أَنه عِنْده فِي كل استفراغه يجذب شَيْئا مِمَّا فِي الْعُضْو وَيرجع مَا فِي الْعُرُوق إِلَى اعتدالها إِذا أكففت عَن الاستفراغ فَيكون ذَلِك فِي مَرَّات كَثِيرَة فيستفرغ كل مَا فِي الْعُضْو وَلَو استفرغت فِي مرّة وَاحِدَة لَكَانَ الاستفراغ ألف ألف أَكثر مَا يَقع على الْمَوَاضِع الْقَرِيبَة من مَوضِع الاستفراغ وَلَيْسَ هَذَا معنى مُوَافق لِأَن استفراغ الشَّيْء الْحَاصِل فِي الْعُضْو لَا يكون من الْجِهَة المضادة لَهُ بل من أقرب الْمَوَاضِع أَو نَفسه وَإِن كَانَ هَذَا العلاج قد يحْتَاج إِلَيْهِ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة كالرعاف فَهَذَا الْكَلَام الَّذِي قَالَه حنين جيد فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يكون فِيهَا خلط قد مَال إِلَى مَوضِع وَهُوَ يجْرِي مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ أَن تجتذبه إِلَى جِهَة أُخْرَى ليمتنع استفراغه كالحال فِي الرعاف فَأَما حَيْثُ يكون شَيْء قد حصل فِي عضوماً وارتبك فِيهِ فَلَا يَصح هَذَا وَإِلَّا يسْتَردّ الاستفراغ من الْجَانِب المضاد شَيْئا مِمَّا حصل إِلَّا قَلِيلا لَا بَال لَهُ وَهَذَا ذكر جالينوس فِي حِيلَة)
الْبُرْء فِي علاج الرعاف فَأَما مَا قَالَه جالينوس فَإِن جملَته هُوَ أَنه: يجب إِذا هَمَمْت بجذب الْمَادَّة إِلَى جِهَة الضِّدّ أَن تسبق أَولا فتسكن وجع الْعُضْو العليل فَإنَّك إِذا فعلت بِهِ ذَلِك ثمَّ استفرغته من الْجَانِب العليل كَانَ أَحْمد لِأَن الْفضل يسكن الوجع يظْهر ميله إِلَى الْموضع وَيذْهب نَحْو الْجِهَة الَّتِي استفرغ مِنْهَا وَهَذَا أَيْضا وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يُمكن أَن يسكن الوجع من غير أَن يُخَفف الْعُضْو فَلَيْسَ بموافق أَيْضا. وَقد قَالَ حنين: مَا لَا يجب على علمه وَالَّذِي أرى أَن أبقراط يُرِيد بِهَذَا القَوْل أَنه: مَتى قلب خلطاً إِلَى جِهَة الضِّدّ فَيَنْبَغِي أَن يستفرغ مِنْهُ مَا جَاءَ فَإِذا لم يَجِيء لم يستدعه بالأدوية لِأَن فِي استدعائك لَهُ بالأدوية تهييجاً لَهُ وترقيقاً وَإِذا هاج ورق فَإِنَّهُ فَاتَهُ قد يُمكن أَن يكون ميله إِلَى الْموضع الَّذِي سَالَ إِلَيْهِ أَكثر فَلَيْسَ ذَلِك بجزم أَن يفعل وَأَيْضًا فَإِن مَجِيء مِقْدَار مَا جذبت بسهولة من تِلْقَاء نَفسه كِفَايَة لميل الْخَلْط عَن الْموضع الَّذِي أردْت لِأَنَّهُ لم يَنْقَطِع جريته من حَيْثُ أملته إِلَيْهِ أَنْت إِلَّا وَقد قل وَضعف وسكنت فورته وغليانه فَفِي ذَلِك كِفَايَة وَلَا يحْتَاج أَن تثيره وتهيجه وتولد لَهُ فوراناً وهيجاناً آخر وَإِن شِئْت فاقره الْموضع لتعلم أَن مَا قُلْنَاهُ أليق وَإِنَّمَا هُوَ الْكَلَام فِي الأخلاط غير الدَّم وَيصِح أَيْضا فِي الدَّم من وَجه.
قَالَ: إِذا أحسنا بميل الْخَلْط إِلَى نَاحيَة من النواحي بادرنا بالجذب إِلَى جِهَة الْمُقَابلَة وَلم تريث لِأَن فِي الْمُبَادرَة إِلَى ذَلِك منع أَن يحصل فِيهِ شَيْء كثير. قَالَ: وَقد يجذب الْخَلْط من أسافل الْجِسْم إِلَى أعاليه وَمن ظن أَنه لَا يَقع الجذب من الأسافل إِلَى الأعالي فقد غلط.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة قَالَ: من انْقَطع عَنهُ استفراغ كَانَ يعتاده فأحدث عِلّة فَإِن معاودة الاستفراغ تذْهب الْعلَّة سَرِيعا وَيَنْبَغِي أَن يهيج ذَلِك مَتى أغفل فَإِن اعْتَادَ استفراغ شَيْء من فضول دماغه من أُذُنَيْهِ ثمَّ انْقَطع ذَلِك عَنهُ فأحدث عَلَيْهِ الدوار والسدر فَإنَّك إِذا هيجت ذَلِك واستدعيته إِلَى الْأُذُنَيْنِ بالأدوية المفتحة ألف ألف انْتفع بِهِ على الْمَكَان مَتى احتجت أَن تجذب شَيْئا إِلَى جِهَة الضِّدّ فَلم يُمكن ذَلِك فِي تِلْكَ لِأَنَّهُ أشرف أَو لعِلَّة فَيَنْبَغِي أَن تزيله وتميله إِلَى مَوضِع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute