للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أبقراط: فَإِن كَانَ الخريف شمالياً يَابسا بعد الصَّيف الْقَلِيل الْمَطَر الشمالي كَانَ مُوَافقا لمن طَبِيعَته رطبَة وللنساء. وَأما سَائِر النَّاس فَيعرض لَهُم رمد وحميات حادة وزكام مزمن وَمِنْهُم من يعرض لَهُم وسواس سوداوي وَإِنَّمَا تعرض فِي الخريف أَكثر أمراض الصَّيف لِأَنَّهُ إِذا جَاءَ الخريف بعد الصَّيف بقيت الصَّفْرَاء الَّتِي تولدت فِي الصَّيف فِي الْبدن لَا تتحلل لَيْسَ كالصيف الجاءي بعقب الرّبيع الَّذِي يحلل لِأَن الخريف أبرد من الصَّيف فَيبقى فِي الخريف أَكثر أمراض الْمرة وَهِي الصيفية وتزيد لِأَنَّهُ يدْفع الأخلاط الَّتِي كَانَت تتحلل فِي الصَّيف بِبرْدِهِ إِلَى بَاطِن الْبدن وَلذَلِك تعرض فِيهِ حميات الصَّيف كلهَا وحميات ربع لِأَن الصَّفْرَاء الَّتِي تحترق فِي الصَّيف تصير سَوْدَاء فِي الخريف وحميات مختلطة لاخْتِلَاف مزاج الْوَقْت ويعظم الطحال من أجل السَّوْدَاء وَالِاسْتِسْقَاء من أجل الطحال وَمن يخَاف عَلَيْهِ السل وَأمره بعد مختل فَإِنَّهُ ينْكَشف أمره فِي الخريف خَاصَّة ليبس ذَلِك الْوَقْت وبرده وَاخْتِلَاف مزاجه وتقطير الْبَوْل لِأَن المثانة تبرد مرّة وتسخن أُخْرَى فينصب إِلَيْهَا من الْبدن أخلاط أحد وأردى وَلَا سِيمَا أَن عرض برد كثير.

وزلق الأمعاء يكون لاندفاع الفضول الحارة إِلَى دَاخل الْبدن وَكَذَا عرق النسا. والذبحة الْعَارِضَة فِي الخريف مرارية والربيعية بلغمية. وَكَذَا إيلاوس يكون من امْتنَاع نُفُوذ الفضول إِلَى أَسْفَل فَذَلِك وَاجِب فِي الْوَقْت الْبَارِد الْيَابِس الْمُخْتَلف المزاج لِأَن الأخلاط فِي الصَّيف رقيقَة سريعة الجرية والخريف يغلظها ويميلها إِلَى بَاطِن الْبدن والصرع يعرض لاخْتِلَاف الْحر وَالْبرد فَلَا شَيْء أعون على حُدُوث نَوَائِب الصرع لمن كَانَ متهيئاً لَهُ من اخْتِلَاف الْهَوَاء فِي الْحر وَالْبرد فِي الخريف مر فِي أَنْصَاف النَّهَار وَبرد فِي أَطْرَافه. وَالْجُنُون يعرض لرداءة الأخلاط المرارية. قَالَ: وَأما الشتَاء فَيعرض فِيهِ ذَات الْجنب وَذَات الرئة والزكام والبحوحة وأوجاع الْجنب وَالظّهْر والسدد والسكات والصرع.

قَالَ ج: افهم هَهُنَا أَن أول الشتَاء يُشْرك آخر الخريف فِي أمراضه أما مرض آلَات النَّفس فَمن أجل الْبرد الَّذِي ينالها وَكَذَلِكَ الزُّكَام والبحوحة من أجل الْبدن لِأَنَّهُ لَا يمكننا أَن نمتنع من اخْتِلَاف الْهَوَاء الْبَارِد فِي النَّفس ويعرض وجع الظّهْر وَنَحْوه من أجل وجع العصب من الْبرد والسكات والتمدد من امتلاء الدِّمَاغ من البلغم. وَإِذا كَانَ فصل مَا خَارِجا عَن طَبِيعَته إِلَّا أَنه مضاد للَّذي تقدم وَهُوَ أَيْضا خَارج عَن طَبِيعَته فَإِنَّهُ لَا يحدث ضَرَرا بل ينفع ويعدل مَا كَسبه)

الْفَصْل الْمُتَقَدّم.

مِثَال ذَلِك: أَنه إِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً وَالربيع شمالياً فَإِنَّهُ لَا يحدث أمراضاً بل يعدل مَا رطب الشتَاء وَإِذا كَانَ الشتَاء بَارِدًا يَابسا وَالربيع مفرط الرُّطُوبَة لم تهج أمراض رطبَة مثل مَا لَو كَانَ الشتَاء أَيْضا بَارِدًا لِأَن الْأَبدَان تحْتَاج أَن تعتدل أَولا ثمَّ تخرج عَن الِاعْتِدَال فقس أبدا

<<  <  ج: ص:  >  >>