يحيله كالماء الجاري. وفي ذلك أعجوبتان: الغذي بما لا يغذو، واستقراؤه لشيء لو طبخ في قدر أبدا لما انحل.
والذي سخر الحديد لجوف الظليم هو الذي سخر الصمّ الصلاب لأذناب الجراد، إذا أرادت الجرادة أن تلقي بيضها غمزت ذنبها في ضاحي الصخرة فانصدعت لها، وليس ذلك من جهة القوة، ولكن من جهة التسخير. وعود الحلفاء «١» يتلقاه مع رخاوته ودقته في منابته الآجرّ والخزف الغليظ فيثقبه. وهو الذي سخر القمقم والطنجير والطست لإبرة العقرب حتى نفذت فيها.
وهو كالبعير من جهة المنسم والوظيف والخزامة التي في أنفسه، وكالطائر من جهة الريش والجناحين والذنب والمنقار، ثم ما فيه من شكل الطائر جذبه إلى البيض، وما فيه من شكل البعير لم يجذبه إلى الولادة.
٤٣- ويضربون المثل بالنعامة في التعلق بالعلل، إذا قيل لها إحملي؟ قالت: أنا طائر، وإذا قيل لها طيري، قالت: أنا بعير.
٤٤- قال يحيى بن نوفل:
ومثل نعامة تدعى بعيرا ... تعاظمها إذا ما قيل طيري
وإن قيل إحملي قالت فإني ... من الطير المرّبة بالوكور
٤٥- ومن أعاجيب النعامة أنها مع عظم عظامها وشدّة عدوها لا مخّ فيها ومن أعاجيبها أنها مع عظم بيضها تلزّه ثم تضعه طولا، حتى لو مددت عليه خيط المطمر مع وجدت لشيء منه خروجا عن الإستواء ثم تعطي كل واحدة نصيبها من الحضن، قال ذو الرمة:
ذاك أم خاضب بالسي مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منفرد