للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠- التقوية، وهي التي تجيء لتقوية عامل ضعيف؛ إما بسبب تأخره عن معموله، نحو، قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ١، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ، وإما بسبب أنه فرع مأخوذ من غيره، كالفروع المشتقة؛ مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وقوله: {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} ، وقول علي رضي الله عنهم: "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به"، فأصل الكلام في الآيتين الأوليين: إن كنتم تعبرون الرؤيا يرهبون ربهم ... فلما تقدم كل من المفعولين على فعله ضعف الفعل بسبب تأخيره عن معموله "مفعوله"؛ فجاءت اللام لتقويته٢، وأصل الكلام في الآيتين الأخيرتين وفي كلام علي: فعال


١ الرؤيا هنا: الحلم المنامي، وتعبيره: تفسيره.
٢ تخصيص اللام بمعنى "التقوية" على الوجه الذي يقوله كثير من النحاة، تخصيص لا مسوغ له، فليست "لام التقوية" نوعًا مستقلًا يخالف "اللام الزائدة" في قليل أو كثير كما سيبين مما يلي هنا، وفي هامش الصفحة الآتية مباشرة. وقد سبق أن أشرنا باختصار في رقم٢ من هامش ص٤٣٥ إلى أن اللام التي تفيد التقوية زائدة زيادة غير محضة، "أي: أنها زائدة شبيهة بالأصلية"؛ لأنها تفيد عاملها لا الجملة معنى جديدًا: هو: "التقوية" ومن أجل هذا المعنى تتعلق بعاملها فأشبهت حرف الجر الأصلي في جلب معنى جديد يكمل العامل، وفي التعلق بهذا العامل، ولكنها من ناحية أخرى يمكن حذفها لا يتأثر المعنى بحذفها، لكل ما سبق لم تكن زيادتها محضة "راجع الصبان والتصريح عند كلامهما على "لام الجر" ثم "المغني"".
ومما تجب ملاحظته أن لام التقوية لا تدخل على مفعولي عامل ينصب مفعولين مذكورين بشرط أن يتقدما عليه معًا، أو يتأخرا عنه معًا، فمتى وجد المفعولان كذلك، فلن يصح دخولها عليهما معًا، ولا على أحدهما، وإذا حذف أحدهما أو تقدم، صح دخولها على الذي لم يحذف، وكذا على المتقدم منهما، كما في الصبان، ومقدمة الجزء الأول من "المغني" التي جاء فيها على لسان ابن هشام ما نصه:
"وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته"، فقال العلامة الأمير تعقيبًا عليه ما نصه:
"اللام في قوله: "لا" مقوية؛ إذ مادة الإفادة تتعدى بنفسها، لا يقال: إنها تتعدي لمفعولين؛ تقول: أفدت محتاجًا مالًا؛ وما يتعدى لمفعولين لا يقوى باللام؛ لأنا نقول محل ذلك إذا كان المفعولان مذكورين، مقدمين، أو مؤخرين عن العامل، كما يفيده كلام ابن مالك في تعليل منع ذلك؛ لأن اللام إما أن تزاد فيهما؛ فيلزم تعدي عامل واحد بحرفي جر متحدين، وهذا ممنوع في الأغلب وإما أن تزاد في أحدهما؛ فيلزم الترجيح بلا مرجح، فإن كان أحدهما محذوفًا كما هنا ... "فإنه حذف من يفاد وهو الشخص المستفيد، لعدم تعلق غرض به وذكر ما يفاد، وهو الشيء المفيد ... "، فإن "اللام" تدخل على المذكور؛ لأن المحذوف حينئذ قطع النظر عنه، سواء نزلت العامل بالنظر للمحذوف منزلة اللازم أو لا. وكذلك إذا تقدم أحدهما دخلت عليه اللام؛ لأن العامل عن المقدم أضعف، أو نائب أحدهما عن الفاعل، نحو: محمود مفاد مالًا، دخلت على المنصوب؛ لأن طلبه المرفوع أقوى". ا. هـ.
هذا، ومما يصلح عندهم أن تكون اللام فيه للتقوية قولهم في الدعاء:
"سقيًا للمحسن ورعيًا له"، وفي هذا الأسلوب وأمثاله، تفصيلات معنوية، وأحكام إعرابية مختلفة، أوضحناها كاملة في ج ١ م ٣٩ ص ٤٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>