فلو ذكرتْ أمُّ زرعٍ هذِه الأشياءَ / مُضافَةً، بعدَ وصفِها لابنِهِ، لأدخلتْ الإيهامَ بينَه وبين ابنِه، فكان قولُها:«بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ»، «جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ»، «خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ» أَجْلى في الوصفِ، لاسيَّما مع أنَّ تَكرارَ ذِكرِهِ إنَّما هو في ابتداءِ جملةٍ واستئنافِ قِصَّةٍ، فهو غيرُ قَبِيحٍ.
وأمَّا تَكرارُها في أوَّلِ كلِّ قِصَّةٍ اسمَه مرَّةً أخرى منْ قولِها:«فَمَا ابنُ أَبِي زَرْعٍ؟»«فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟»، فقد تقدَّمَ أنَّه بمعنى التَّعجُبِ والتَّعظيمِ، وأنَّ الوجهَ فيه الإظهارُ، وهو الفصيحُ؛ / لأنَّه المقصِدُ والغرضُ منَ التَّنويهِ، وفي الإضمارِ إخفاءٌ وتموِيهٌ.
هُنا انْتَهي بِنا القولُ فِيمَا حَرَّرْناه منَ الكلامِ في هذا / الحديثِ، وقد احتوى على جُملٍ منْ فُنونِ العلمِ حِسانٍ، وفِقَرٍ منْ ضُرُوبِ الأدبِ غِرَابٍ، وخرَّجْنا فيه نَحْوَ عشرينَ مسألةٍ منَ الفقهِ، ومثلِها منَ العربِيَّةِ، مع كثرةِ ما ذكرنَا فيه منْ كلامِ الشَّارِحينَ / وأصحابِ المعاني، وترجيحِ الصَّوابِ، وتوليدِ كثيرٍ مَّما لم يتقدَّمْ فيه كلامٌ بلغَهُ علمِي، وانْتَهي إليه ذِكرِي، واقتصرْتُ في أكثرِ ما ذكرتُه منَ اللغاتِ على رفعِها إلى ذاكرِيها مِنْ مَقَانِعَ هذا العلمِ، واستغنيتُ بذلك عنْ الشَّاهدِ إلَّا في النَّادرِ، حرصًا على الاختصارِ، واكتفاءً بقولِ أولئك القُدوةِ؛ إذ هم المُقلَّدونَ في ذلك، وذكرتُ الشَّواهِدَ في المعاني تمهيدًا لها، وإظهارًا / لوُجُوهِها، وحُجَّةً على صحَّةِ تأويلاتِها؛ / لاشتراكِ الخواطرِ فيها، وتوارُدِ
(١) أخرجه أبو الحسن السكري (١٩١)، من طريق هشام بن عمار به .. والخطيب في «الأسماء المبهمة» (ص ٥٢٨)، وأبو موسى المديني في «اللطائف» (٩٠٨)، من طريق الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن جعفر الوركاني، عن عيسى بن يونس به.