للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ففي نحو أذهب وأقائم الزيدان، يرتفع قائم وذاهب بالابتداء، ويسد كل واحد من الفاعلين مسد الخبر.

قال النحاة إن همزة الاستفهام تستدعي الفعل بذاتها؛ لأن الاستفهام إنما يكون من فعل، ألا ترى أنك إذا فرضت شيئا مجردا، عن فعل لم يستفهم عنه، فأجروا قوله: "مجرى" أترغب.

لذلك قلنا إن قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّت} ١ السماء مرفوع بالفاعلية بتقدير فعل دل عليه انشقت، لأن "إذا" تستدعي الفعل، وكذلك ما جرى مجرى "إذا" في هذا المعنى، نحو قولهم: لو ذات سوار لطمتني٢، وإن الله أمكنني من فلان.

فأما قوله في البحر: "هو الطهور ماؤه والحل ميتته" وتوهمه أن ذلك من باب تقديم الخبر على المبتدأ فمثل الوهم الأول في الغلط، بل هما مرفوعان بالفاعلية، كأنه قال هو الشيء الذي ظهر ماؤه، وحلت ميتته، فحذف الموصوف وأقام الصفة المركبة من الموصول والصلة مقامه، والصفة تعمل كالفعل في هذا الموضع، فيكون ماؤه وميتته فاعلين.


١ سورة الاشتقاق: ١.
٢ لو ذات سوار لطمتني: أي لو لطمتني ذات سوار؛ لأن لو طالبة للفعل داخلة عليه. والمعنى لو ظلمني من كان كفئا لي لهان علي، ولكن ظلمني من هو دوني. وقيل أراد لو لطمتني حرة، فجعل السوار علامة للحرية؛ لأن العرب فلما تلبس الإماء السوار، فهو يقول لو كانت اللاطمة حرة لكان أخف علي، وهذا كما قال الشاعر:
فلو أني بليت بهاشمي ... خئولته بنو عبد المدان
لهان على ما ألقى ولكن ... تعالوا فانظروا بمن ابتلائي
"مجمع الأمثال للميداني ٢/ ٨١".

<<  <   >  >>