للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الداعي والسائل، وبين الإجابة والإعطاء، وهو فرق بين العموم والخصوص، كما أتبع ذلك بالمستغفر، وهو نوع من السائل، فذكر العام ثم الخاص ثم الأخص، وإذا علم العباد أنه قريب، يجيب دعوة الداعي، علموا قربه منهم، وتمكنهم من سؤاله، وعلموا علمه ورحمته وقدرته، فدعوه دعاء العبادة في حال، ودعاء المسألة في حال، [وجمعوا بينهما في حال]، إذ الدعاء اسم يجمع العبادة والاستعانة، وقد فسر قوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] بالدعاء، الذي هو العبادة، والدعاء الذي هو الطلب، وقوله بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠] يؤيد المعنى الأول.

الجواب الثاني: أن إجابة دعاء السؤال أعم من إعطاء عين السؤال، كما فسره النبي فيما رواه مسلم في صحيحه، أن النبي قال: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها"، قالوا: يا رسول الله، إذا نكثر، قال: "الله أكثر" (١)، فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا بد في الدعوة الخالية عن العدوان من إعطاء السؤال معجلا، أو مثله من الخير مؤجلا، أو يصرف عنه من السوء مثله.

الجواب الثالث: أن الدعاء سبب مقتض لنيل المطلوب، والسبب له شروط وموانع، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب، وإلا فلا يحصل ذلك المطلوب، بل قد يحصل غيره، وهكذا سائر الكلمات الطيبات، من الأذكار المأثورة المعلق عليها جلب منافع أو دفع مضار، فإن الكلمات بمنزلة الآلة في يد الفاعل، تختلف باختلاف قوته وما يعنيها، وقد يعارضها مانع من الموانع، ونصوص الوعد والوعيد -المتعارضة في الظاهر- من هذا الباب، وكثيرا ما تجد أدعية دعا بها قوم


(١) صحيح، ولكنه ليس في "صحيح مسلم" وإنما أخرجه أحمد وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الحاكم والذهبي وهو كما قال، وإنما رواه مسلم من حديث أبي هريرة مختصرا، ورواه الترمذي مطولا، إلا أنه قال في الخصلة الثالثة: "وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا"، وهو منكر بهذا اللفظ ولذلك خرجته في "الضعيفة" "٤٤٨٣" وذكرت تحته ما صح منه كحديث أبي سعيد هذا.

<<  <   >  >>