للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: من المتأخرين من استحبه، ومنهم من رآه بدعة؛ لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه، ولأن النبي له مثل أجر كل من عمل خيرا من أمته، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛ لأنه هو الذي دل أمته على كل خير، وأرشدهم إليه.

ومن قال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده، باعتبار سماعه كلام الله، فهذا لم يصح عن أحد من الأئمة المشهورين، ولا شك في سماعه (١)، ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح، فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة، فإنه عمل اختياري، وقد انقطع بموته، بل ربما يتضرر ويتألم، لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه، أو لكونه لم يزدد من الخير.

واختلف العلماء في قراءة القرآن عند القبور، على ثلاثة أقوال: هل تكره، أم لا بأس بها وقت الدفن، وتكره بعده؟ فمن قال بكراهتها، كأبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية، قالوا: لأنه محدث، لم ترد به السنة، والقراءة تشبه الصلاة، والصلاة عند القبور منهي عنها، فكذلك القراءة، ومن قال: لا بأس بها، كمحمد بن الحسن وأحمد في رواية، استدلوا بما نقل عن ابن عمر : أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها (٢)، ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة (١). ومن قال: لا بأس بها وقت الدفن فقط، وهو رواية عن أحمد، أخذ بما نقل عن عمر وبعض المهاجرين (١). وأما بعد ذلك، كالذين يتناوبون القبر للقراءة عنده، فهذا مكروه، فإنه لم تأت به السنة، ولم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا، وهذا القول لعله أقوى من غيره، لما فيه من التوفيق بين الدليلين.

[قوله]: "والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات".

ش: قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]. ﴿وَإِذَا


(١) لم أره بلفظ "المهاجرين"، وإنما بلفظ "الأنصار"، ذكره ابن القيم وفي ثبوت ذلك عنهم نظر بينته في "أحكام الجنائز" "ص ١٩٣".
(٢) قلت: لا يصح إسناده، فيه من يجهل كما هو مبين في "أحكام الجنائز" "ص ١٩٢، طبع المكتب الإسلامي".

<<  <   >  >>