للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه جماعة من أصحاب أبي حنيفة المتأخرين، وانظر إلى فروض الكفايات: كيف قام فيها البعض عن الباقين؟ ولأن هذا إهداء ثواب، وليس من باب النيابة، كما أن الأجير الخاص ليس له أن يستنيب عنه، وله أن يعطي أجرته لمن شاء (١).

وأما استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت!! فهذا لم يفعله أحد من السلف ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه، والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف، وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه، مما فيه منفعة تصل إلى الغير، والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وهذا لم يقع عبادة خالصة، فلا يكون [له من] ثوابه ما يهدى إلى الموتى!! ولهذا لم يقل أحد أنه يكتري من يصوم ويصلي ويهدي ثواب ذلك إلى الميت، لكن إذا أعطى لمن يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه معونة لأهل القرآن على ذلك، كان هذا من جنس الصدقة عنه، فيجوز. وفي الاختيار: لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره، فالوصية باطلة؛ لأنه في معنى الأجرة، انتهى. وذكر الزاهدي في الغنية: أنه لو وقف على من يقرأ عند قبره، فالتعيين باطل.

وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة، فهذا يصل إليه، كما يصل ثواب الصوم والحج. فإن قيل: هذا لم يكن معروفا في السلف، ولا أرشدهم إليه النبي ؟ فالجواب: إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء، قيل له: ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول، ومن أين لنا هذا النفي العام؟ فإن قيل: فرسول الله أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة دون القراءة؟ قيل: هو لم يبتدئهم بذلك، بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له فيه، وهذا سأله عن الصوم عنه، فأذن له فيه، ولم يمنعهم مما سوى ذلك، وأي فرق بين وصول ثواب الصوم -الذي هو مجرد نية وإمساك- وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ فإن قيل: ما تقولون في الإهداء إلى رسول ؟


(١) في هذا الكلام نظر لا يخفى على المتأمل، وقد حققت القول في المسألة بما يشرح الصدر، ويثلج القلب في الفصل المشار إليه آنفا "ص ٤٥٤ - ٤٥٥"، فراجعه فإنه مهم.

<<  <   >  >>