"الله" لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٨٥]. وقد تقدم عند ذكر الحوض كلام القرطبي ﵀، أن الحوض قبل الميزان، والصراط بعد الميزان، ففي "الصحيحين": أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة (١). وجعل القرطبي في "التذكرة" هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة، وليس يسقط منه أحد في النار، والله تعالى أعلم.
وقوله:"والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه، وكل يعمل لما "قد" فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد".
ش: أما قوله: إن الجنة والنار مخلوقتان، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة!! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا!! وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة! وقالوا: خلق الجنة قبل الجراء عبث! لأنها تصير معطلة مددا متطاولة!! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم.
فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ٣٣].
(١) أخرجه "البخاري" في أول المظالم" وأحمد "٣/ ١٣/ ٦٣/ ٧٤" من حديث أبي سعيد الخدري، ولم أره في "مسلم".