للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس بهذه الآية لكفتهم" (١)، فالمتقون يجعل الله لهم مخرجا مما ضاق على الناس، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع الله عنهم المضار، ويجلب لهم المنافع، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها، من المكاشفات والتأثيرات.

قوله: "وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن".

ش: أراد أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن، وهو الأتقى، والأتقى هو الأكرم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣]، وفي السنن عن النبي أنه قال: "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب" (٢). وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر، وترجيح أحدهما على الآخر، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق، فالمسألة فاسدة في نفسها. فإن التفضل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان، لا بفقر ولا غنى. ولهذا -والله أعلم- قال عمر : الغنى والفقر مطيتان، لا أبالي أيهما ركبت. والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده، كما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ [الفجر: ١٥] الآية. فإن استويا، الفقير الصابر والغني الشاكر في التقوى، استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله، فإن الفقر والغنى لا يوزنان، وإنما يوزن الصبر والشكر. ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر: وهو أن الإيمان "نصف" صبر ونصف شكر، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر، وإنما أخذ الناس فرعا من الصبر وفرعا من الشكر، وأخذوا في الترجيح، فجردوا غنيا


(١) ضعيف، رواه أحمد والحاكم بسند فيه انقطاع.
(٢) صحيح، لكن عزوه للسنن وهم، فإنه لم يروه أحد منهم، وإنما هو في مسند الإمام أحمد، وقد كنت توقفت فيه قبل سنين، ثم يسر الله تعالى لي جمع كثير من طرقه، وحققت الكلام عليها، فتبين لي أنه صحيح بمجموعها، وأودعت تفصيل ذلك في الموضع المشار إليه، وعليه استجزت إيراده في كتابي الكبير "صحيح الجامع الصغير وزياداته" ١٧٨٠.

<<  <   >  >>