ذات قائم بنفسه، غير مخالط للعالم، وأنه موجود في الخارج، ليس وجوده ذهنيا فقط، بل وجوده خارج الأذهان قطعا، وقد علم العقلاء كلهم بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك فهو: إما داخل العالم وإما خارج عنه، وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى وأظهر من الأمور البديهيات الضرورية بلا ريب، فلا يستدل على ذلك بدليل إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه، وأوضح وأبين. وإذا كان صفة العلو والفوقية صفة كمال، لا نقص فيه، ولا يستلزم نقصا، ولا يوجب محذورا، ولا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا، فنفي حقيقته يكون عين الباطل والمحال الذي لا تأتي به شريعة أصلا. فكيف إذا كان لا يمكن الإقرار بوجوده وتصديق رسله، والإيمان بكتابه وبما جاء به رسوله، إلا بذلك؟ فكيف إذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة، والفطر [المستقيمة]، والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه، وكونه فوق عباده، التي تقرب من عشرين نوعا: أحدها: التصريح بالفوقية مقرونا بأداة: من، المعينة للفوقية بالذات، كقوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠]. الثاني: ذكرها مجردة عن الأداة، كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: (١٨) و ٦١]. الثالث: التصريح بالعروج إليه نحو: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾. وقوله ﷺ:"يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم"(١). الرابع: التصريح بالصعود إليه. كقوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]. الخامس: التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه، كقوله تعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٥٨]. وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥]. السادس: التصريح بالعلو المطلق، الدال على جميع مراتب العلو، ذاتا وقدرا وشرفا، كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]. ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣]. ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]. السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه، كقوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر: ٢]. ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
(١) متفق عليه، وهو قطعة من حديث لأبي هريرة ﵁، أوله: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار … "، وهو مخرج في "الظلال" "٤٩١".