للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقبض السماوات والأرض اليوم، وفعل بها كما يفعل بها يوم القيامة، فإنه لا يتجدد به إذ ذاك قدرة ليس عليها الآن، فكيف يستبعد العقل مع ذلك أنه يدنو سبحانه من بعض أجزاء العالم وهو على عرشه فوق سماواته؟ أو يدني إليه من يشاء من خلقه؟ فمن نفى ذلك لم يقدره حق قدره. وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي في رؤية الرب تعالى: فقال له أبو زرين: كيف يسعنا -يا رسول الله- وهو واحد ونحن جميع؟ فقال: "سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله: هذا القمر، آية من آيات الله، كلكم يراه مخليا به، والله أكبر من ذلك، وإذا أفل تبين أنه أعظم وأكبر من كل شيء" (١). فهذا يزيل كل إشكال، ويبطل كل خيال.

وأما كونه فوق المخلوقات، فقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: (١٨) و ٦١]. ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠]. وقال في حديث الأوعال المتقدم ذكره: "والعرش فوق ذلك، والله فوق ذلك كله" (٢). وقد أنشد عبد الله بن رواحة شعره المذكور بين يدي النبي ، وأقره على ما قال: وضحك منه (٣). وكذا أنشده حسان بن ثابت قوله:

شهدت بإذن الله أن محمدا … رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما … له عمل من ربه متقبل

وأن الذي عادى اليهود ابن مريم … رسول أتى من عند ذي العرش مرسل

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم … يجاهد في ذات الإله ويعدل

فقال النبي : "وأنا أشهد" (٤). وعن أبي هريرة ، عن النبي ، أنه قال: "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: أن رحمتي سبقت غضبي" (٥) وفي رواية: "تغلب غضبي" رواه البخاري


(١) ضعيف الإسناد، حسن المتن، كما هو مبين في "الظلال" "٤٥٩، ٤٦٠".
(٢) ضعيف وتقدم قريبا الحديث "برقم ٢٩٤".
(٣) ضعيف، وقول ابن عبد البر "رويناه من وجوه صحاح" فيه نظر، فقد قال الذهبي في "العلو" "ص ١٠٦" معقبا عليه: "روي من وجوه مرسلة … "، ثم ذكرها.
(٤) ضعيف، رواه ابن سعد في "الطبقات" بسند ضعيف ومنقطع.
(٥) متفق عليه، وهو مخرج في "الظلال" "٦٠٨، ٦٠٩".

<<  <   >  >>