للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآن.. إلى أين يهرب لبنان من تاريخه وهياكله وأعمدته بشجرة الأرز؟ الآن.. إلى أن يركض "اللبناني" بوطنه.. هروبا من الوحدة الوطنية، وتفكرا للوفاق واغتيالا لشخصية الوطن التي تقدم قربانا وثمنا لشخصية الفرد؟!

الآن لا أمريكا، ولا روسيا، ولا حتى إسرائيل مسئولية عن ما سيحدث في لبنان من تقسيم، ومن إعادة بدء حكاية "قابيل وهابيل" بل المسئول الأول والأخير هو "اللبناني" نفسه.

وفي البدء -عندما اشتعلت الحرب الأهلية- كان "اللبناني" هو الذي يتحمل وزر التمزق الوطني من الداخل حتى لو لمسنا خلفيات الأحداث، وأثبتنا تدخل جهات غير لبنانية في مصير لبنان، وسياسته، فكانت تلك الجهات هي السبب في تصعيد الحرب الأهلية, ذلك أن الجهات الأجنبية قد خططت بالفعل لشرذمة وتمزيق الأرض اللبنانية، ولكن الإنسان اللبناني الذي حمل السلاح وصوبه إلى صدر أخيه اللبناني في حرب أهلية مقيتة ومخجلة, كأن هو الأداة وهو الذي جعل مهمة تطبيق وتنفيذ مخطط التمزيق مهمة سهلة.

لقد بقي اللبناني مسئولا حتى عندما اجتاح العدو الصهيوني أرض لبنان؛ لأنه لولا تفكك الوحدة الوطنية، ولولا تنازع الأخوة فيما بينهم.. لما أمكن لإسرائيل أن تدخل الأرض اللبنانية، ولا أن تغريها تلك الخلافات باقتناص الفرصة.

وإذن فإن ما حدث في "لبنان" منذ بدء الحرب الأهلية، وحتى الاجتياح وما سيحدث بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار من محاولات تقسيم, هو في الرؤية الأبعد والأشمل تشبث بمبدأ "المصالح الشخصية" أو المصالح الطائفية، أو مصالح الزعامة السياسية التي يجسد كل زعيم من خلالها مصالحه الذاتية، وأن يكون ذلك "القبضاي" وأن يكون المستفيد من تجارة السلاح، ومن المزايدت السياسية في المنطقة.

إن أعتى الأساطيل لا تقدر أن تهزم أصغر الشعوب, لو اتحد هذا الشعب، وآمن بقضيته، وحرص على وحدة أرضه, فهو سيواجه المعتدي بذلك الإيمان, وبتلك الجذور التي تشده إلى أرضه.. وقد رأينا كيف بدأت أمريكا تصرخ من "اقتناص" أفراد "المارينز" قبل وقف إطلاق النار، فكانت مقاومة شعبية رائعة لن تستمر أو تتأكد إلا في ترسيخ الوحدة الوطنية, تماما بنفس الصورة التي كانت تعانيها أمريكا في حرب فيتنام, فلماذا لا تضحك أمريكا وإسرائيل وسعد حداد اليوم؟.

فالدولة القوية المعتدية, لن تصمد أمام الدولة الصغيرة التي تقاوم الاستعمار

<<  <   >  >>