رواه عطاء، عن ابن المسيب قال: سألت شريحًا عن رجل جعل داره حبسًا على الآخر فالآخر من ولده؟ فقال: لا حبس على فرائض الله. قالوا: فهذا شريح قاضى عمر وعثمان وعلى والخلفاء الراشدين حكم بذلك واحتج أيضًا بما رواه ابن لهيعة، عن أخيه عيسى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:(سمعت النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول بعد ما نزلت سورة النساء، وأنزل الله فيها الفرائض: نهى عن الحبس) . قال الطبرى: ولا حجة له فى قول شريح؛ لأن من تصدق بماله فى صحة بدنه فقد زال ملكه عنه، ومحال أن يقال لما زال ملكه عنه قبل موته بزمان حبسه عن فرائض الله، ولو كان حابسًا عن فرائض الله من أزال ملكه عما ملكه لم يجز لأحد التصرف فى ماله، وفى إجماع الأمة أن ذلك ليس كذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأول قول شريح؛ أنه بمعنى إبطال الصدقات المحرمات، فثبت أن الحبس عن فرائض الله إنما هو لما يملكه فى حال موته، فيبطل حبسه كما قال شريح، ويعود ميراثًا بين ورثته. ومثال ذلك أن يحبس مالا فى حياته على إنسان بعينه فيجعل له غلته دون رقبته، أو على قوم بأعيانهم، ولا يجعل لحبسه مرجعًا فى السبل التى لا يفقد أهلها بحال، فإن ذلك يكون حبسًا على فرائض الله، وليس فى حديث عطاء أن الرجل جعل لحبسه مرجعًا بعد انقراض ورثته، ولا أخرجها من يده إلى من حبسها عليه ولا إلى فائض حتى تحدث به الوفاة، فكانت لا شك أن صاحبها هلك وهى فى ملكه ولورثته بعد وفاته، فيكون هذا من الحبس عن فرائض الله، إذ كانت الصدقة لا تتم لمتصدق بها عليه إلا بقبضه لها. وأما الصدقة التى أمضى المصدق بها فى حياته على ما أذن الله به على لسان رسوله وعمل به الأئمة الراشدون، فليس من الحبس