للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: رأي ابن جني والجمهور:

يرى أبو الفتح عثمان بن جني (٣٩٢هـ) وكثير من النحويين أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا؟ ولم يشترطوا في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جوّزوا له في الشعر ما لم يجز في الكلام؛ لأنه موضع قد أُلفت فيه الضرائر. دليل ذلك قول الشاعر١:

كم بجودٍ مقرفٍ نال العلا ... وكريمٍ بخله قد وضَعَهْ ٢

-في رواية من خفض "مقرف"، حيث فصل بين "كم" وما أضيفت إليه بالجار والمجرور، وذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولم يضطر إلى ذلك إذ يزول الفصل بينهما برفع "مقرف" أو نصبه٣.

ومما استدل به صاحب هذا المذهب - أيضاً - قول الآخر٤:

فلا مزنةٌ ودقت ودقَها-ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها ٥


١ هو أنس بن زُنَيْم. شاعر صحابي. عاش إلى أيام عبيد الله بن زياد.
(المؤتلف والمختلف ٥٥، الإصابة ١/٨١، ٨٢، الخزانة ٦/٤٧٣) .
٢ البيت من "الرمل" من قصيدة قالها الشاعر لعبيد الله بن زياد بن سميّة.
المقرف: النذل اللئيم الأب. ومعنى البيت: إن الجود قد يرفع اللئيم بينما كريم الأب قد يتضع بسبب بخله.
والبيت في: الكتاب ١/٢٩٦، المقتضب ٣/٦١، الأصول ١/٣٢٠، الإنصاف ١/٣٠٣، شرح المفصل ٤/١٣٢، شرح شواهد الشافية ٥٣، الدرر ٤/٤٩، ٦/٢٠٤.
٣ انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور ١٣.
٤ هو عامر بن جُوَيْن الطائي. شاعر، فارس، من أشراف طيّىء في الجاهلية.
(رغبة الآمل ٦/٢٣٥، الأزمنة والأمكنة ٢/١٧٠، الخزانة ١/٥٣) .
٥ البيت من " المتقارب " في وصف أرض مخصبة بما نزل بها من الغيث.
المزنة: هي السحابة المثقلة بالماء، والودق: المطر. وقوله: أبقلت إبقالها: أي نبت بقلها.
=انظر البيت في: الكتاب١/٢٤٠، الخصائص ٢/٤١١، المغني ٨٦٠، ٨٧٩، أوضح المسالك ٢/١٠٨، المقاصد النحوية ٢/٤٦٤، التصريح ١/٢٧٨، الخزانة ١/٤٥، ٤٩،٥٠.

<<  <   >  >>