للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما نبالي إذا ما كنتِ جارتَنا ... ألاّ يجاورنا إلاَّكِ ديارُ١

ليس ضرورة، لتمكن قائله من أن يقول:

"ألا يكون لنا خلٌّ ولا جارُ" ٢

ثم إن الشاعر قد يتاح له في حرارة التجربة الشعرية غير عبارة عن الفكرة الواحدة، لكنه لا يختار من الألفاظ إلا ما يأنس فيه الملاءمة التامة للمعنى الذي ينشده وإن ساوره قلق فني في دقة لغته، وقدرتها على التعبير عنه. فإذا ثبت هذا وأنه هو واقع الشعر اللغوي فإن التفكير بنفي الضرورة، ومحاولة استبدالها بما لا ضرورة فيه أمرٌ من الصعوبة بمكان على الشاعر، ناهيك عن الناقد اللغوي، والنحوي وذلك لتفاوت القدرات على تخيّل الألفاظ، واستحضارها من المعاجم الذهنية المختلفة في سعتها، وتنوعها، وصفائها٣.

وقد حاول بعض المحدثين٤ الاعتذار لابن مالك بأنه كان يعمل ثقافته، وفكره حين بيّن رأيه في الضرورة الشعرية. فكان يضع في اعتباره لهجات العرب المتباينة، والقراءات القرآنية، والحديث النبوي الشريف بحيث إذا ورد فيها شيء قال النحاة عن نظيره في الشعر إنه ضرورة لم يعدّه هو كذلك، بل


١ البيت من "البسيط". يقال: ما بها ديَّار، أي ما بها أحد.
والشاهد في قوله: " إلاَّك " حيث أوقع الضمير المتصل بعد "إلاَّ" للضرورة الشعرية، والقياس: إلا إياك والبيت في: الخصائص ١/٣٠٧، ٢/١٩٥، المفصل ١٢٩، أمالي ابن الحاجب ٢/١٠٥، المغني ٥٧٧، التصريح ١/٩٨، ١٩٢، شرح الأشموني ١/١٠٩، الدرر ١/١٧٦.
٢ انظر: شرح التسهيل ٢/٢٧٦.
٣ الضرورة الشعرية. دراسة لغوية نقدية ١٤٧ (بتصرف) .
٤ هو الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف في كتابه: الضرورة الشعرية في النحو العربي ص١٤١.

<<  <   >  >>