إنها كانت تسم باللبن الحار في صدر الخيل فيتمعط ذلك الشعر. وينبت كأنه شعر أبيض. فأياما عنى من أحد الوجهين فالوصف مستقيم.
وكان لأبن أبي عامر فتى يسمى فاتنا أوحد لا نظير له في علم كلام العرب، وكل ما يتعلق بالأدب، فناظر صاعد بين يديه، فظهر عليه، وبكته حتى أسكته، فازداد المنصور به عجبا: وكان فاتن حسن الخط، واسع المعرفة، فصيح اللسان، حاضر الجواب، إلى عفاف طعمة، ونزاهة نفس، وجمال صورة، وكان ممن تباهى الملوك يخدمته، وتستريح إلى حلمه، وتوفي هذا الفتى فاتن سنة أثنين وأربعمائة. وبيعت في تركته قطعة دفاتر أدبية حسنة الضبط دلت على جودة عنايته. وكان منقادا لما أنزل به من المثلة، فلم يتخذ النساء ولا كشفن له عورة.
وكان في ذلك الزمان في بقرطبة جملة من الفتيان المجابيب. ممن أخذ من الأدب بأوفر نصيب. ورأيت تأليفا لرجل منهم يدعى بحبيب مترجما ب - " كتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة " وذكر فيه جملة من أشعارهم ونوادر أخبارهم. منهم عمارة الصقلي الفتى الكبير، والصقلبي ميسور، ونجم الوصيف وغيرهم ممن يشتمل عليه ذلك التصنيف، وجعلهم خارج من شرطنا، وليس من جمعنا.
ومن عجائب الدنيا الغريبة الوقوع، العجيبة المسموع، أن صاعدا أهدى إلى المنصور إيلا وكتب معه بأبيات يقول فيها: