ذلك، وهلك الملك الذى قصدهم وجميع من كان معه، وانصرفوا؛ فأقبلوا يأكلون ويشربون، فقلت لبعض الكهنة: لقد رأيت عجبا من ذلك الوجه فما هو؟ فقال:
تلك الشمس تبدّت لنا فى صورتها وأهلكت عدوّنا، صاحت بهم صيحة أحرقتهم فأصبحوا خامدين.
قال: وكان هذا الرجل عاقلا فاتخذه ماليق وزيرا. ولم يزل ماليق على التوحيد، وهو مع ذلك يساير أهل البلد خوفا من اضطراب ملكه، وأمر أن يعمل له ناووس، فكان يقصده ويتعبّد فيه، وأمر ألا يدفن معه ذهب ولا جوهر، فلم يدفن معه شىء سوى الطّيب وصحيفة مكتوبة بخطه فيها:
هذا ناووس ملك مصر ماليق، مات مؤمنا بالله العظيم لا يعبد معه غيره، بريئا من الأصنام وعبادتها، مؤمنا بالبعث والحساب والمجازاة على الأعمال، عاش كذا وكذا سنة، ملك فيها كذا وكذا، فمن أحبّ النجاة من عذاب الآخرة فليدن بما دان به. وأوصى ألا يدفن معه فى ناووسه أحد من أهله، وكان قد كنز كنوزا عظيمة وزبر عليها أن تخرجها أمة النبىّ المبعوث فى آخر الزمان.
واستخلف ابنه حرمان «١» بن ماليق. قال: وكان ليّنا سهل الخلق، لم يمت أبوه حتى شرح له التوحيد، وأمره أن يدين به، ونهاه عن عبادة الأصنام؛ وكان معه على ذلك فى حياته، ثم رجع عنه بعد وفاته الى دينهم. وكان سبب رجوعه الى عبادة الأصنام أنّ أمّه كانت من بنات كبار الكهّان، فنقلته بعد موت أبيه الى دينها وغلبته على رأيه، وأمرت بتجديد الهياكل وتشدّدت فى عبادة الأصنام. وتزوّج حرما امرأة من بنى عمّه فأحبّها حبّا شديدا وهام بها، فأفسدته على جميع نسائه،