للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغنّوهم بأصناف الملاهى، وسألوهم عن حالهم فحدّثوهم أنهم ضلّوا عن الطريق فى هذه الصحارى، فقالوا لهم: الطريق بين أيديكم واضح مستقيم لا يمكن أن تغلطوا فيه، فإن أحببتم المسير وجّهنا معكم من يوقفكم على سنن الطريق الكبير الذى يوصلكم إلى منازلكم، وإن أحببتم أن تقيموا عندنا رفدناكم وكنتم إخواننا وأحبابنا.

قالوا: فسررنا بذلك من قولهم، وأجمع بعضنا على المقام معهم، وأجمع من كان له منا أهل وولد على أن يسير إلى منزله ويحمل أهله وولده ويعود إليهم. قال: وبتنا عندهم فى خير مبيت، فرحين بما ساق الله إلينا. فلمّا كان من الغد انتبهنا فوجدنا أنفسنا فى مدينة عظيمة ليس فيها أحد من الناس وقد تشعّب بعض حصنها، إلّا أن حولها نخلا قد تساقط ثمره وتكدّس حوله، فلحقنا من الخوف لذلك والارتياع ما استوحشنا له، وخرجنا على وجوهنا هاربين مفكّرين فيما عاينّاه من أهلها، وإنّا لنجد روائح الشراب منّا ومعانى الخمار ظاهرة، فلم نزل نسير يومنا أجمع وليس بنا جوع ولا عطش، حتى إذا كان المساء رأينا راعيا يرعى غنما فسألناه عن العمارة وعن الطريق فدلّنا على الطريق وقال: إنّ العمارة حذاؤكم؛ وإذا بنقار «١» من ماء المطر فشربنا منه وبتنا عليها، ثم أصبحنا فإذا نحن فى خلاف موضعنا الذى كنّا فيه، وإذا آثار العمارة والناس فما سرنا إلّا بعض يوم حتى دخلنا مدينة الأشمونين بالصعيد، فكنّا نحدّث الناس ولا يقبلون منا.

قال: وهذه مدائن القوم القديمة قد غلب عليها الجانّ، ومنها ما قد سترته عن العيون فلا ينظر إليها أحد.

قال: وذكر بعض القبط أن رجلا من بنى الكهنة الذين قتلهم أنساد سار إلى ملك الإفرنجة فذكر له كنوز مصر وعجائبها وخيرها، وضمن له أن يوصّله إلى ملكها