للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما للقصد إلى أن السامع غبي لا يتميز الشيء عنده إلا بالحس؛ كقول الفرزدق "من الطويل":

أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع١

وإما لبيان حاله في القرب أو البعد أو التوسط٢؛ كقولك: "هذا زيد، وذلك عمرو، وذاك بشر". وربما جعل القرب ذريعة إلى التحقير٣ كقوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: ٣٦] , وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: ٤١] , وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: ٦٤] . وعليه من غير هذا الباب قوله تعالى: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: ٢٦] ، وقول عائشة -رضي الله عنها- لعبد الله بن عمرو بن العاص: "يا عجبا لابن عمرو هذا"٤.

وقول الشاعر "من الطويل":

تقول ودقت نحرها بيمينها: ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس؟ ٥

وربما جعل البعد ذريعة إلى التعظيم؛ كقوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ}


١ هو لهمام بن غالب المعروف بالفرزدق، والتعريض بالغباوة ناشئ من استعمال اسم الإشارة في آبائه -وهم غائبون- لموتهم، والأمر في قوله: "فجئني" للتعجيز.
٢ هذا أيضا من المعاني الأصلية لاسم الإشارة.
٣ قد يجعل أيضا ذريعة إلى التعظيم؛ كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] ، فينزّل قربه من ساحة الحضور والخطاب منزلة قرب المسافة.
٤ تريد بهذا تخطئته في فتواه بنقض النساء ذوائبهن في الاغتسال.
٥ هو للهذلول بن كعب العنبري، ويقال له: الذهلول أيضا، وقيل: لغيره. وكانت امرأته رأته يطحن بالرحى لأضيافه فأنكرت عليه. وبعده:
فقلت لها: لا تعجبي وتبيني ... بلائي إذا التفت علي الفوارس
والمتقاعس: الذي يدخل ظهره ويخرج صدره، ضد الأحدب. والشاهد في أن اسم الإشارة فيه مسند, لا مسند إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>