ومن لطيف هذا الضرب ما يقع التشبيه فيه في الحركات، كقول أبي دلامة يصف بغلته:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا ... برجليها وتخبز باليدين١
شبه حركة رجليها حيث لم تثبتا على موضع تعتمد بهما عليه وهَوَتا ذاهبتين نحو يديها بحركة يدي العاجن, فإنهما لا تثبتان في موضع، بل تزلّان إلى قدام لرخاوة العجين، وشبه حركة يديها بحركة يد الخابز؛ فإنه يثني يده نحو بطنه، ويحدث فيها ضربا من التقويس، كما تجد في يد الدابة إذا اضطربت في سيرها ولم تقو على ضبط يدها وأن ترمي بها إلى قدام، وأن تشد اعتمادها حتى تثبت في الموضع الذي تقع عليه، فلا تزلّ عنه ولا تنثني.
وأما العقلي:
فكقولك:"أبديت نورا" وأنت تريد: حجة؛ فإن الحجة مما يدرك بالعقل من غير وساطة حس؛ إذ المفهوم من الألفاظ هو الذي ينور القلب ويكشف عن الحق لا الألفاظ أنفسها، وعليه قوله عز وجل:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ٢ أي: الدين الحق، وأما قوله تعالى:{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} ٣. فعلى ظاهر قول الشيخ جار الله العلامة٤ استعارة عقلية؛ لأنه قال: شبه باللباس -لاشتماله على اللابس- ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث. وعلى ظاهر قول الشيخ صاحب المفتاح: حسية؛ لأنه جعل اللباس استعارة لما يلبسه الإنسان عند جوعه وخوفه من امتقاع اللون ورثاثة الهيئة٥.
فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له٦، والمراد بمعناه ما عُني به؛ أي: ما استعمل فيه٧؛ فلم يتناول ما استعمل فيما وضع له، وإن تضمن التشبيه به؛ نحو:"زيد أسد، ورأيته أسدا"، ونحو:"رأيت به أسدا"٨ لاستحالة تشبيه الشيء بنفسه٩. على أن المراد بقولنا:"ما تضمن" مجاز تضمن؛ بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها، والمجاز لا يكون مستعملا فيما وضع له.