شبّه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط أن تكون قوادم ريشها بيضاء؛ لأن تلك الفِرَق من الظلمة تقع في حواشيها من حيث يلي معظم الصبح وعموده لُمَع نور٢ يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض، وتمام التدقيق في هذا التشبيه أن جعل ضوء الصبح -لقوة ظهوره ودفعه لظلام الليل- كأنه يحفز الدجى ويستعجلها، ولا يرضى منها بأن تتمهل في حركتها، ثم لما راعى ذلك في التشبيه ابتداء، راعاه آخرا حيث قال:"نطير غرابا" ولم يقل: "غراب يطير" ونحوه؛ لأن الطائر إذا كان واقعا في مكان، فأُزعج وأُطير منه، أو كان قد حبس في يد أو قفص فأرسل، كان ذلك لا محالة أسرع لطيرانه، وأدعى له أن يستمر على الطيران، حتى يصير إلى حيث لا تراه العيون، بخلاف ما إذا طار عن اختيار؛ فإنه حينئذ يجوز أن لا يسرع في طيرانه، وأن يصير إلى مكان قريب من مكانه الأول.