خيال وهي في آخر لا تتراءى، وكم صورة لا تكاد تلوح في خيال وهي في غيره نار على علم.
كما يحكى أن صاحب سلاح ملك، وصائغا، وصاحب بقر، ومعلم صبية سافروا ذات يوم، وواصلوا سير النهار بسير الليل، فبينما هم في وحشة الظلام ومقاساة خوف التخبّط والضلال؛ طلع عليهم البدر بنوره، فأفاض كل منهم في الثناء عليه، وشبّهه بأفضل ما في خزانة صوره، فشبهه السلاحي بالترس المذهب يُرفع عند الملك، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفترّ عن وجهها البوتقة، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريا، والمعلم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة.
وكما يحكى عن ورّاق يصف حاله:"عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدق من مسطرة، وجاهي أرقّ من الزجاج، وحظي أخفى من شقّ القلم، وبدني أضعف من قصبة، وطعامي أمرّ من العفص، وشرابي أشد سوادا من الحبر، وسوء الحال لي ألزم من الصمغ".
ولصاحب علم المعاني١ فضل احتياج إلى التنبّه لأنواع الجامع، لا سيما الخيالي؛ فإن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك؛ كالجمع بين الإبل والسماء، والجبال والأرض في قوله تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية: ١٧-٢٠] بالنسبة إلى أهل الوبر، فإن جُلّ انتفاعهم في معاشهم من الإبل؛ فتكون عنايتهم مصروفة إليها، وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك بنزول المطر، فيكثر تقلب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يُؤويهم وحصن يتحصنون به، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها؛ فإذا فتش