للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي:

ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ المضي١ تنبيها على تحقق وقوعه، وأن ما هو للوقوع كالواقع؛ كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨] ، وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٤٧] ، وقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ ... } الآية [الأعراف: ٤٨] جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع. وعن حسان أن ابنه عبد الرحمن لسعه زُنبور وهو طفل، فجاء إليه يبكي، فقال له: يا بني ما لك؟ قال: لسعني طُوَيِّر كأنه ملتف في بردي حِبَرَة٢. فضمه إلى صدره وقال: يا بني قد قلت الشعر. ومثله التعبير عنه باسم القاعل٣: كقوله تعالى: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: ٦] وكذا باسم المفعول؛ كقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: ١٠٣] .


١ مثله التعبير عن الماضي بلفظ المضارع استحضارا لصورته العجيبة؛ كقوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [فاطر: ٩] ، أي: فأثارت، ولا يخفى أن النوعين من المجاز المرسل أو الاستعارة، فلا معنى لذكرهما في علم المعاني؛ لأنه لا فرق بينهما وبين غيرهما من أنواع المجاز فيما فعلا به من خلاف مقتضى الظاهر.
٢ طوير: تصغير طائر، والحبرة: ضرب من برود اليمن. والشاهد في قوله: "قد قلت الشعر" لأنه بمعنى ستقول.
٣ لأن كلا من اسم الفاعل واسم المفعول حقيقة في المتلبس بالفعل -في الحال- اتفاقا، وفي الماضي على قول ضعيف, فيكون استعماله في المستقبل مجازا.

<<  <  ج: ص:  >  >>