(٢) قال أبو عبيدة: في سبب إيراد سعد للحديث يدلُّ عليه، فورد عند أبي عوانة والدورقي وابن السني وغيرهم: عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، قال: خرج عمرُ بن سعد إلى سعد، فقال -وهو بالعقيق-: إنك اليوم بقية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد شهدتَ بدراً ولم يبق فيهم أحدٌ غيرك، وإنَّما هو معاوية، فلو أنك أبديتَ للناس نفسكَ، ودعوتهم إلى الحق لم يتخلف عنك أحدٌ، فقال سعد: أقعد، حتى إذا لم يبق مِنْ عُمُري إلا ظمأ الدابة اضرب الناس بعضهم ببعض، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خَيْرُ الرِّزقِ ما يكفي، وخُيرُ الذِّكر ما خَفِيَ. قال أبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (٢/٨٤٥-٤٥٦) : «ذهب قوم إلى أنّ الذكر الدعاء، وقالوا: خيره ما أخفاه الرجل، والذي عندي أنه الشهرة، وانتشار خير الرجل، فقال: خيره ما كان خفياً ليس بظاهر؛ لأنَّ سعداً أجاب ابنه على نحو ما أراده عليه، ودعاه إليه من الظهور وطلب الخلافة، فحدَّثه بما سمع» ا. هـ. وانظر شرح الحديث -أيضاً- في «المقاصد الحسنة» للسخاوي (ص ٢٠٧) . وأما قوله: «إلا ظمأ الدابة» ، فقد قال ابن منظور في «لسان العرب» (١/١١٦) : «يقال: ما بقي من عمره إلا قدر ظمء الحمار؛ أي: لم يبق من عمره إلا اليسير؛ لأنه يقال: أنه ليس شيء من الدواب أقصر ظمأ من الحمار، وهو أقل الدواب صبراً على العطش» ا. هـ. (تنبيه) : قد يقال هذه الرواية، قد وصلها (عمر بن سعد) ، ولكن رواية ابن أبي لبيبة أصح، قاله أبو زرعة، كما في «العلل» (٢/١٤٣) لابن أبي حاتم.
(فائدة) : أخرج ابن المبارك في «الزهد» بسندٍ ضعيف، فيه أبو بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذكروا الله ذكراً خاملاً، فقيل: وما الذكر الخامل؟ قال: الذكر الخامد» . وهو مرسل، ولو صحّ لشوّش على التفسير السابق، ولكان فيه ما يؤيد ما قرره الشارحان، والله الموفق.