واتّفق أيضا، أنّني حضرت المجالس بمدينة السلام، في سنة ستين وثلاثمائة، بعد غيبتي عنها [٤ ب] سنين، فوجدتها مختلّة ممّن كانت به عامرة، وبمذاكرة آهلة ناظرة، ولقيت بقايا من نظراء أولئك الأشياخ، وجرت المذاكرة، فوجدت ما كان في حفظي من تلك الحكايات قديما قد قلّ، وما يجري من الأفواه في معناها قد اختلّ، حتى صار من يحكي كثيرا ممّا سمعناه يخلطه بما يحيله ويفسده، ورأيت كلّ حكاية ممّا أنسيته لو كان باقيا في حفظي لصلح لفنّ من المذاكرة، ونوع من نشوار المحاضرة «١» فأثبتّ ما بقي على ما كنت أحفظه قديما، واعتقدت إثبات كلّ ما أسمعه من هذا الجنس، وتلميعه بما يحثّ على قراءته من شعر لمتأخّر من المحدثين، أو مجيد من الكتّاب والمتأدّبين، أو كلام منثور لرجل من أهل العصر، أو رسالة أو كتاب بديع المعنى أو حسن النظم والنثر «٢» ، ممّن لم يكن في الأيدي شعره ولا نثره، ولا تكرّر نسخ ديوانه، ولا تردّدت معاني إحسانه، وما فيه من مثل طريّ، أو حكمة جديدة، أو نادرة حديثة، أو فائدة قريبة المولد، ليعلم أنّ الزمان قد بقّى من القرائح والألباب، في ضروب العلوم