جاء إلى مجلس الكاتب، فأقام هناك طويلا، ففعل كفعله.
ثم خرج من الباب، وقد ملأ زنبيلا كان معه، من الخبز والحلوى والطعام، وملأ جيبه من الدراهم.
فلما صار على باب الدار، قلت للبوّابين: تعرفون هذا؟
فقالوا: رجل زمن أبله، يجيء فيتصدّق، وخلقه طيب، فكلّ من في الدار، يستطيبه، ويبرّه.
قلت: قد رحمته، واشتهيت آخذ له شيئا، ففيكم من يعرف بيته؟
فقالوا: لا.
فركبت، واتّبعته، ولحقت به، ووقفت كأنّني أحدّث غلامي، وأسير خلفه على تؤدة، حتى جاء إلى الجسر، فعبره زحفا، وأنا وراءه، ودخل الخلد، ودخلت معه، وولج في خان، فقلت لغلامي: اتبعه، فاعرف بيته في الخان، ففعل، وعاد إليّ، فوصفه لي [٢٤٦] .
فوقفت متحيرا، لا أدري ما أعمل، ولا من أسأل عنه، وأخاف أن أنفّره، فيهرب.
وطال وقوفي، وهممت بالانصراف، فإذا به قد خرج بريئا، نظيفا، بثياب مرويّة «١» ولحية بيضاء، وطيلسان، وعمامة قد جعلها فوق حاجبيه، فلولا قرب عهدي به، وبرؤيته، لما عرفته، وإذا هو يمشي لا قلبة «٢» به.
فتأمّلت لحيته، وإذا هي ملبّسة فوق لحيته، وقد أخفاها بعمامته، وإنّما فطنت لذلك، لشدّة تأمّله، وصرف اهتمامي إلى ذلك، مع قرب عهدي برؤيته.