للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجبتُ: لأنّ المحرفَ لا يخلُو من أن يكونَ له سِوى هذا المعنى الذي وَقَعَ فيه التَّحريفُ معنىً آخرُ، أولًا، فإن لم يكن له فذاك، وإن كان قلنا: ما الدليلُ علي أنَّ المحرَّفَ لا يُسمَّى كَلِمَةً؟ وكذلك التّاءُ في "اللّفظةِ" غيرُ مفتَقرٍ إليها (١) لأنَّ التاءَ للإِفرادِ وقد حَصَلَت الغُنيَةُ بقولِكَ [مفردُ (٢).

وأمّا الحدُّ الذي للمذهبِ أن يُقال (٣): الكلمةُ لفظٌ له دلالةٌ مفردةٌ.

فإن سألتَ: اللفظ غيرُ مأخوذٍ في حدِّ الكلمةِ بدليلِ أنّ المنوى في ضَرَبَ يُسمَّى كَلِمَةً، لأنَّه متى نَوَيتَ فيه الفاعِلَ كان كلامًا، والكلامُ هو المُرَّكبُ من كلمتين؟

أَجَبتُ: المُرادُ باللَّفظِ ما كانَ ملفوظًا به إمّا حقيقةً وإِمَّا حُكمًا، وأنّه ملفوظٌ به حكمًا بدليل أنَّ المنوى مما يُجتَزأُ به فاعلًا كما بالملفُوظِ به حَقيقةً.

ونظيرُ هذه المسألةِ التَّشبيهُ، الشَّبَه بالاستعارة فإنَّه متى نُوى فيه المشبّه فهو حَقِيقةٌ كما في قوله (٤):

أسدٌ عليَّ وفي الحُروب نَعامَةٌ … فَتخاءُ تَنفُرُ من صَفيرِ الصَّافِرِ


(١) انظر ردّ صاحب المقاليد: ١/ ورقة: ١٦.
(٢) من هنا إلى قوله؛ ليس من امبر … ساقط من (ب) وهو بمقدار ورقة واحدة.
(٣) نَقَلَ الأندلسي كلامَ الخوارزمي في شرحه: ١/ ورقة ٨، ٩: ثم عقب عليه بقوله: أمّا قوله: أن بالوضع زائد ممنوع، فإن لفظة: (قحّ) يدل على معنى بالاعتبار الذي ذكرناه، وليست كلمة في اللغة. وقوله؛ إن التاء زائدة، قلنا: لا نُسلّمُ، بل لها فائدةٌ وذلك أنّ اللّفظ كما يكون مصدر لفظ فيكون أيضًا جمع لفظة، ولا يخفى أن إيراد اللّفظ الصريح في الحدود أولى من المجمل فمفرد قيد للمعنى، والتاء قيد اللّفظ.
ونقل العلوي في شرحه: ١/ ١٣ حدّ الخوارزمي هذا، ثم ردّه بقوله: ويردّ عليه أنّ هذا الحد منقوض بقولنا؛ ديز مقلوب زيد، فإن هذه اللفظة لها دلالة مفردة على معناها العقلي، وهو أن لها فاعلًا ومحدثًا فيلزم أن تكون كلمة، وهذا محال. فظهر بما حققناه بطلان ما ذكره الخوارزمي.
(٤) البيت لعمران بن حِطَّان بن ظُبيان السُّدوسي. أدركَ بعضَ الصَّحابة وروى عنهم وكان في أوّل أمره طالبًا للعلم والحديث، وهو من رؤساء الخوارج القعدة ومن أكابر علمائهم وزهادهم. توفي سنة ٨٤ هـ. والبيت أول أربعة أبيات في فتوح ابن أعثم الكوفي قال: ويقال انها لأسامة بن زيد الأحسمي. انظر شعر الخوارج ص ١٦٦، ١٦٧ وانظر تخريج الشعر هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>