ولم نعثر على تاريخ وفاة الأميرة الباسلة عائشة الحرة والدة أبى عبد الله، ولابد أنها توفيت قبله بمدة طويلة.
ويعرف أبو عبد الله محمد آخر ملوك الأندلس بأبى عبد الله، الغالب بالله وهى شعار سائر ملوك غرناطة، ويعرف فى الرواية الإسبانية، بمحمد الحادى عشر، وبالملك الصغير El Rey Chico، تمييزاً له من عمه أبى عبد الله الزغل، ويلقب أيضاً بالزغيبى ومعناها المنكود أو عاثر الجد، تنويهاً بأحداث حياته المؤسية. ربما أصاب الإسلام على يديه من الخطوب والمحن (١).
- ٣ -
ولابد لنا قبل أن نختتم الكلام على تلك الصفحة المؤسية من تاريخ الأندلس، أن نتحدث عن ذلك الصرح الخالد الذى مازال رمزاً حياً لتلك المأساة المفجعة، التى اختتمت بين جدرانه الصامتة، واقترنت باسمه إلى الأبد، ونعنى بذلك حمراء غرناطة، ذلك الصرح الذى يمثل فى تاريخ الأندلس عصراً بأسره، وحضارة بأسرها، والذى ما يزال يثير بجلاله وروعته، كثيراً من المواقف والذكريات الخالدة.
لبثت حمراء غرناطة زهاء قرنين عنواناً لمجد الإسلام ودولته، وملاذاً ساطعاً للحضارة الأندلسية، التى كانت أنوارها الباهرة تشع فى أرجاء أوربا، خلال حلك العصور الوسطى، فلما أشرفت الدولة الإسلامية على الفناء، غدت حمراء غرناطة قبرها الأخير، وطوت بين جدرانها صفحتها المجيدة. وما زالت الحمراء وساحاتها الشاسعة، وأبهاؤها الفخمة، وأبراجها الشامخة، منذ أكثر من أربعة قرون عنواناً للمجد الذاهب، وشاهداً صامتاً لجليل الحوادث والذكريات.
وتاريخ الحمراء هو تاريخ الصروح والهياكل العظيمة، التى تتبوأ مقامها الراسخ فى تاريخ الدول التى شادتها، والعصور التى شهدتها، فهو جزء لا ينفصل من تاريخ الأندلس، كما أن قصر الفاتيكان جزء لا ينفصل من تاريخ البابوية. وما تاريخ الحمراء وسير بناتها وسادتها، إلا تاريخ مملكة غرناطة، وما الحمراء ذاتها، وما تعرضه من روعة فى الصنع والإنشاء، وما تحوى من بدائع الفن والزخرف، إلا صفحة جامعة من تاريخ الحضارة الأندلسية، فالسائح المتأمل فى جنبات هذا
(١) الزغيبى مصغر "زغبى"، ومعناها فى لغة أهل غرناطة: المنكود أو التعيس. ومعناها وفقاً لمارمول "التعس الصغير" "الرجل المسكين" Le petit Malheureux: Le pauvre Homme ( راجع دوزى. Supp. aux Dict. arabes p. ٥٩٤)