للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقرينة دالة على ذلك١ مثل ذلك قوله تعالى: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} أتى بالمسند إليه معرفا بأل؛ لأن القصد إلى فرد ما من أفراد حقيقة الذئب، والقرينة على ذلك قوله: {أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} فليس المراد الحقيقة نفسها؛ لأن الحقيقة من حيث هي أمر لا وجود له في الخارج حتى يتحقق منه أكل أو شرب، وإنما يتحقق ذلك من الأفراد, ولا الحقيقة من حيث وجودها في جميع الأفراد لاستحالة أن تجتمع الذئاب جميعها على أكله, ولا الحقيقة من حيث وجودها في فرد معين إذ لا عهد في الخارج بذئب معين، فتعين أن يكون المراد فردا ما من أفراد الحقيقة٢ ومنه قول الشاعر:

ومن طلب العلوم بغير كد ... سيدركها متى شاب الغراب

فالقصد هنا إلى فرد ما من أفراد حقيقة الغراب بقرينة قوله: "شاب" إذ وصف الشيب من شئون الأفراد، وليس المراد الحقيقة نفسها، ولا هي في ضمن جميع أفرادها، ولا هي من حيث وجودها في فرد معين كما وضح ذلك في المثال قبله, ومن هذا القبيل في غير المسند إليه قولهم: "ادخل السوق" حيث يراد فرد ما من أفراد حقيقة السوق بقرينة قوله: "ادخل" فليس المراد الحقيقة نفسها لاستحالة الدخول في الحقيقة، ولا الحقيقة في ضمن جميع الأفراد لاستحالة دخول الشخص الواحد جميع أفراد السوق- ولا الحقيقة من حيث وجودها في فرد معين إذ لا عهد بسوق معينة.

والثالثة: ما يكون مدخولها مرادا به جميع الأفراد المندرجة تحت


١ أي: إن الفرد المبهم مستفاد من القرينة الخارجية لا من المعرف باللام إذ هو موضوع للحقيقة نفسها كما قلنا.
٢ قيل: كيف سميت هذه اللام لام العهد الذهني مع أن مدخولها فرد غير معين فلا عهد فيه لا ذهنا ولا خارجا بل هو مبهم, ويجاب بأنه معهود في الذهن باعتباره أحد أفراد الحقيقة والحقيقة معهودة في الذهن بمعنى أنها معلومة متميزة عما عداها من الحقائق فعهديته تبع لعهدية الماهية فصح بهذا الاعتبار اعتباره معهودا ذهنيا وصحت تسمية أل الداخلة عليه لام العهد الذهني.

<<  <  ج: ص:  >  >>