للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى اسم "ما لم يرد إذن من الشارع" ولم يرد إطلاق لفظ "الطبيب أو الرؤية" على الله تعالى فلزم ألا يصح مثل هذه التراكيب واللازم باطل؛ لأنه صحيح شائع عند القائلين بالتوقيف, وعند غيرهم سمع من الشارع أو لم يسمع، وشيوعه يدل على أن المراد بهذه الأسماء غير الله.

الثاني: انتقاض ما ذهب إليه السكاكي من رد المجاز العقلي إلى الاستعارة بنحو: "نهاره صائم، وليله قائم" من كل ما اشتمل على الفاعل الحقيقي كالضميرين في "نهاره وليله" وذلك لاشتماله على ذكر طرفي التشبيه, وهما المشبه والمشبه به, أما المشبه فهو الضمير في "صائم وقائم" لأنه الفاعل المجازي، وأما المشبه به فهو الضمير في "نهاره وليله" لأنه الفاعل الحقيقي إذ المراد به الشخص, واجتماع طرفي التشبيه في تركيب واحد مانع من حمل الكلام على الاستعارة، وقد صرح السكاكي نفسه بذلك إذا اشترط في الاستعارة بالكناية ألا يذكر فيها المشبه به١ ا. هـ.

وأجيب عن السكاكي فيما اتجه إليه من المآخذ الأربعة السابقة بأن ذلك إنما يتم لو أن مذهبه في الاستعارة بالكناية أن يذكر المشبه، ويراد المشبه به حقيقة كما فهم المعترض، وليس كذلك، بل المراد المشبه به ادعاء إذ لا يقول عاقل إن المراد "بالنية" في قولنا: "مخالب المنية نشبت بفلان" هو الأسد الحقيقي, فهو إنما يشبه المنية بالسبع، ثم يبالغ في التشبيه, فيدعي أن المنية فرد من أفراد السبع بحيث يصير للسبع فردان: فرد حقيقي، وهو "ذلك الحيوان المفترس" وفرد ادعائي، وهو "المنية" ثم يذكر المشبه، ويريد به المشبه به ادعاء وحينئذ فلا يتجه عليه ما ذكر.

ورد هذا الجواب بأنه اعتراف بما أنكره، ووقوع فيما فر منه, ذلك


١ هذا التوجيه يفيد أن الضمير في كل من "صائم وقائم" راجع للنهار والليل بمعنى الفاعل المجازي وهو الزمان، فالمضاف والمضاف إليه في "نهاره وليله" حينئذ شيآن إذ إن المضاف بمعنى الزمان والمضاف إليه بمعنى الشخص, وهذا يخالف ما تقدم من أن المراد بالنهار والضمير المضاف إليه شيء واحد، وأن المراد بالليل وضميره المضاف إليه شيء واحد كذلك, وأجيب بأن لا مانع من أن يراد هذا أو ذاك فكلاهما ممنوع ولا مفر للسكاكي من لزوم واحد من الأمرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>