أما الحال في قولنا:"مقتضى الحال" فالمراد بها: الأمر الداعي؛ لأن يعتبر المتكلم في كلامه خصوصية ما "كالإنكار" مثلا فإنه حال للمخاطب تدعو المتكلم إلى أن يسم كلامه بسمة خاصة هي التأكيد محوا لهذا الإنكار, و"كالذكاء" فإنه حال للمخاطب تدعو المتكلم إلى أن يحذف في كلامه اعتمادا على هذا الذكاء وهكذا.. فالحال هنا حينئذ وصف للمخاطب بخلاف الحال هناك.
ومقتضى الحال على التحقيق: هو الكلام الكلي الموسوم بطابع خاص كالكلام المطلق المؤكد، أو المحذوف منه، أو المطنب، أو نحو ذلك فالإنكار مثلا حال للمخاطب، وهذه الحال إنما تقتضي مطلق كلام مؤكد بأي طريق من طرق التأكيد, والذكاء حال له تقتضي مطلق كلام محذوف منه, والغباوة حال تقتضي مطلق كلام لا حذف فيه وهكذا ... فمقتضى الحال إذًا هو الكلام المكيف بكيفية خاصة غير منظور فيه إلى تعبير خاص.
واللفظ المطابق له: هو تلك العبارة الخاصة الصادرة من المتكلم إلى المخاطب مشتملة على تأكيد، أو حذف، أو غيرهما من سائر الأحوال.
ومعنى مطابقة هذا اللفظ لمقتضى الحال: اندراجه فيه، وصيرورته فردا من أفراده أي: إن هذا اللفظ الخاص الصادر من المتكلم بسبب اشتماله على حال خاصة طابق الكلام الكلي, الذي هو مقتضى الحال بمعنى: أنه اندرج تحته، وصار أحد أفراده, فقولك للمنكر مثلا:"إن زيادا لخطيب" لفظ مشتمل على حال هي التأكيد، وبسبب اشتماله على هذا التأكيد طابق مقتضى الحال الذي هو مطلق كلام مؤكد بمعنى: أنه اندرج في هذا المطلق، وصار جزئيا من جزئياته.
أما ما قيل من أن مقتضى الحال هو تلك الصفات من التأكيد, والتقديم، والتأخير، وغيرها فغير صحيح إذ لا يستقيم حينئذ أنها أحوال بها يطابق اللفظ مقتضى الحال؛ لأنها هي بعينها مقتضى الحال، فيلزم عليه اتحاد المطابق -بفتح الباء- الذي هو مقتضى الحال، والمطابق بسببه الذي هو حال اللفظ, فحال اللفظ في نحو:"إن محمدا قائم" للمنكر هو التأكيد، وقد طابق