للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاز المركب المرسل ١:

هذا هو القسم الثاني من قسمي المجاز المركب:

وهو اللفظ المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي, كما في الجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء لأغراض لم يوضع لها الخبر, كإظهار التحسر، أو الضعف، أو السرور، أو الشماتة، أو نحو ذلك. فمثال المستعمل في معنى التحسر والتحزن قوله تعالى حكاية عن أم مريم: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} , ومثال المستعمل في إظهار الضعف قوله تعالى حكاية عن نبي الله زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} . فهذان المركبان, وإن كانا في أصل وضعهما للإخبار والإفادة إلا أنهما -في هذا المقام- مستعملان في غير هذا المعنى؛ إذ إن أم مريم، وزكريا -عليهما السلام- يعلمان حق العلم أن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية. فأما أم مريم, فقد أرادت بهذا الخبر إظهار التحسر، والتحزن على فوات مأمول لها هو ذلك المولود الذكر، وأما زكريا -عليه السلام- فقد أراد إظهار الضعف، وأنه بلغ من الوهن والكبر غاية لا أمل له في الحياة بعدها. والعلاقة في الموضعين اللزوم, إذ يلزم من إخبار أم مريم بأنها وضعت أنثى على غير ما كانت تأمل إظهار تحسرها وحزنها كما يلزم من إخبار زكريا بأنه قد وهن عظمه، واشتعل رأسه إظهار ضعفه، وأنه بحالة تدعو إلى الشفقة والرحمة, والقرينة في الموضعين مقام الخطاب. ومن استعمال الخبر في إنشاء التحسر قول الشاعر يتحسر على ذهاب شبابه وأيام صباه:

ذهب الصبا وتولت الأيام ... فعلى الصبا وعلى الزمان سلام

فالخبر مستعمل في إنشاء التحسر والتحزن على فوات الشباب، وذهاب أيامه العذاب، والعلاقة فيه اللزوم كسابقه, إذ يلزم من الإخبار


١ إنما أطلق عليه هذا الاسم قياسا على المجاز المفرد, وإلا فإن العلماء لم يضعوا له اسما, بل أكثرهم لم يبحثوه بحثا تفصيليا.

<<  <  ج: ص:  >  >>