وكأنه يقول: فإن تفق الأنام وأنت منهم فلا بدع ولا غرابة؛ لأن لك نظيرا هو "المسك" فقد حذف الجواب وهو قوله: "فلا بدع ولا غرابة" واستغنى عنه بهذا الدليل.
ثانيهما: أن التشبيه في البيت ليس صريحا، بل دل عليه الكلام ضمنا؛ ذلك أن المعنى الصريح لهذا الكلام هو -كما قلنا- أن لا بدع ولا غرابة أن يخرج الممدوح عن بني جنسه لمعنى فيه ليس فيهم؛ لأن المسك بعض دم الغزال، وهو -مع ذلك- لا يعد من الدماء لما اختص به من معنى كريم, ومفهوم هذا: أن حال الممدوح شبيهة بحال المسك, وبهذا التشبيه الضمني تبين أن المشبه أمر ممكن الوجود. ومثل هذا البيت قول الشاعر:
وإن تكن تغلب الغلباء١ عنصرها ... فإن في الخمر معنى ليس في العنب
يريد: وإن كانت هذه المرأة من قبيلة تغلب ذات العزة والمنعة, فإن فيها من معاني الكمال ما جعلها تبذ قومها وتفوقهم، ثم دلل على هذه الدعوى بما معناه: أن العنب أصل الخمر, ولكنها تحولت إلى شيء آخر لمعنى اختصت به دونه.
ولتحقيق هذا الغرض ينبغي أن يكون المشبه به أعرف وأشهر بوجه الشبه من المشبه كالذي قبله ليصح جعله مقيسا عليه، واعتباره دليلا على إمكان المشبه, وليس بلازم أن يكون المشبه به أتم وأكمل من المشبه في وجه الشبه؛ لأن المطلوب بيان إمكان المشبه بإثبات نظير له، وهذا يكفي فيه مجرد وجود وجه الشبه في المشبه به خارجا، ولا يتوقف على أن يكون الوجه في المشبه به أتم منه في المشبه. فإذا قلت لإنسان: إنك في خروجك عن جنسك كالمسك تم الغرض بمجرد العلم بخروج المسك عن جنسه، وإن لم يكن المسك أتم منه في هذا الخروج فرضا.