للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتحقيق هذا الغرض ينبغي أن يكون المشبه به أعرف بوجه الشبه وأشهر به عند المخاطب١ من المشبه، غير أنه يجب هنا أن يكون المشبه به مساويا للمشبه في وجه الشبه، لا أكثر ولا أقل, حقيقة أو ادعاء٢, إذ لو كان المشبه به أتم في وجه الشبه من المشبه، أو أقل منه لم يتعين المقدار, فلم يتم الغرض من التشبيه.

الثالث: بيان إمكان المشبه أي: بيان أن المشبه أمر ممكن الوجود, وذلك إذا كان أمرا غريبا من شأنه أن ينازع فيه، ويدعى امتناعه، فيمثل حينئذ بشيء مسلم الوقوع، ليكون كالدليل على ثبوته, كما في قول أبي الطيب من قصيدة يرثي بها أم سيف الدولة:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال

ادعى الشاعر أن الممدوح من السمو والرفعة بحيث فاق الجنس البشري الذي هو أحد أفراده، وصار كأنه جنس آخر. ولما كان هذا المعنى في بادئ الرأي غريبا في بابه، لا تقبله العقول لاستبعاد أن يخرج الشيء عن جنسه أراد أن يؤيده بما لا نزاع فيه ليتبين إمكانه, فشبهه بشيء أقرته العقول، وآمنت به, وهو "المسك" فإنه خرج عن أصله، وتحول إلى جنس آخر لما فيه من معنى ليس في سائر الدماء أي: وإذا جاز أن يفوق الشيء أصله لميزة فيه, فليس يبعد أن يفوق الممدوح جنسه لما فيه من جليل الصفات. ومن هذا البيان يتبين أمران:

أحدهما: أن قوله: "فإن المسك ... " إلخ لم يأت به جوابا للشرط في المصراع الأول، وإنما سيق مساق الدليل على هذا الجواب،


١ أي: وإن لم يكن أشهر في الواقع.
٢ حقيقة كما في الأمثلة المتقدمة، وادعاء كما في تشبيه شراب بارد شديد البرودة بالثلج، أو شراب شديد الحرارة بالنار.

<<  <  ج: ص:  >  >>