في الخارج فليس بشرط, فإن وجد مع التلازم الذهني كان حسنا كالتلازم الذي بين الزوجية والأربعة, فإن الزوجية -كما يبدو بداهة- لازمة للأربعة ذهنا وخارجا, وإن لم يوجد التلازم الخارجي فلا ضير كالتلازم الذي بين العمى والبصر؛ فإن البصر لازم للعمى ذهنا فقط إذ يلزم من تصور معنى العمى تصور معنى البصر؛ لأن العمى فقد البصر ممن شأنه الإبصار, أما في الخارج فبينهما التعاند كما ترى.
كذلك يكفي في دلالة الالتزام أن يكون التلازم بين الشيئين وليد عرف عام أو خاص، أو وليد التأمل في القرائن والأمارات. فالأول كالتلازم الذي بين الأسد والشجاعة, فقد تعارف عامة الناس على أن الشجاعة لازمة للأسد, فإذا قال إنسان: فلان جبان، فرد عليه آخر بأنه أسد فهم أنه شجاع. والثاني كالتلازم الذي بين كثرة الرماد والكرم، والذي بين الفاعل النحوي وحركة الرفع، والذي بين بلوغ الماء عشرا في عشر وعدم تأثره بالنجاسة، والذي بين اختلاج العين ولقاء الحبيب, فالتلازم الذي بين هذه الأنواع مما أثبته العرف الخاص فقد تعارف علماء البيان على أن الكرم لازم لكثرة الرماد. فإذا قال بياني: فلان بخيل، فرد عليه بأنه كثير الرماد فهم منه أنه كريم، وتعارف علماء النحو على أن حركة الرفع لازمة للفاعل النحوي فإذا قال أحد النحاة: أقبل محمدا بالنصب، فرد عليه بأن "محمدا" فاعل فهم أن الواجب رفعه، وتعارف علماء فقه الأحناف على أن عدم قبول الماء للنجاسة لازم لبلوغه عشرا في عشر, فإذا سأل أحدهم: أينجس هذا الماء إذا وقعت فيه نجاسة؟ فأجيب أنه يبلغ عشرا في عشر فهم أنه لا ينجس، وتعارف بعض الناس على أن لقاء الحبيب لازم لاختلاج العين فإذا قلت لأحد هؤلاء: عيني تختلج, فهم من ذلك أنك ستلقى حبيبا إلى غير ذلك. والثالث كالتلازم الذي بين تغير العالم وحدوثه, فإذا قيل: العالم متغير, فهم بعد التأمل في الدلائل والأمارات أنه حادث.