للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسقط الطير حيث ينتثر الحـ ... ـب وتغشى منازل الكرماء

وهكذا كل كلام خفيت دلالته على المعنى المراد لخفاء اللزوم بين المعنيين, يكون معقد المعنى.

تنبيهان:

الأول: زاد بعضهم عيبا رابعا على العيوب المخلة بفصاحة الكلام، وهو أن يكثر فيه التكرار١، أو تتوالى فيه الإضافات.

فمثال التكرار قول أبي الطيب يصف فرسا له:

وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد٢

"سبوح" فعول بمعنى فاعل، يستوي في الوصف به المؤنث والمذكر، وهو من السبح بمعنى العوم. يريد: أن في جريها -مع شدة عَدْوها- سلاسة وسهولة كأنما تسبح في الماء٣, وقوله:


١ التكرار: هو ذكر الشيء ثانيا بعد ذكره أولا، وكثرته بذكره ثالثا، والمراد بالكثرة ما فوق الواحد، وإنما شرط الكثرة لأن التكرار بلا كثرة لا يخل بالفصاحة, وإلا قبح التوكيد اللفظي.
٢ "تسعدني" من الإسعاد وهو الإعانة والإنقاذ، "والغمرة": ما يغمرك من الماء وقد أراد بها الشدة, "وسبوح" صفة لموصوف محذوف أي: فرس سبوح، و"شواهد" بمعنى دلائل فاعل الظرف وهو "لها"؛ لاعتماده على الموصوف الذي هو "سبوح"، ولم يجعل النظر خبرا مقدما لشواهد لاحتياج التقديم إلى نكتة, ولا نكتة هنا.
٣ فيه إشارة إلى أن استعمال "سبوح" في الفرس العادية مجاز؛ لأن السبوح في الأصل كثير السبح في الماء, فاستعمل في كثير الجري على سبيل الاستعارة التبعية المصرحة, إذ شبه الجري الشديد السلس بالسبح في الماء واستعير اسم المشبه به للمشبه, واشتق من السبح سبوح بمعنى جارية جريا شديدا مع سلاسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>