"لا زالت عينك جامدة" على معنى: لا أبكى الله عينك, إذ هو دعاء عليه بالحزن، لا بالسرور.
إذا علمت هذا, ظهر لك أن المعنى الذي أراده الشاعر، وهو "السرور" لا يفهم من "الجمود" إذ لا يدل عله اللفظ لا لغة ولا عرفا, اللهم إلا مع ارتكاب شيء من التعسف١؛ ومن هنا كان التعقيد في المعنى. ومثل قول ابن الأحنف قول الشاعر:
أمنا أن تصرع عن سماح ... وللآمال في يدك اصطراع
تصرع بتشديد الراء مع البناء للمجهول بمعنى: تغلب وتمنع بشدة، ويريد باصطراع الآمال في يده: ازدحامها وتدافعها. يقول: أمنا أن يغلبك على أمرك غالب يحول دون سماحك وكرمك, والشاهد قوله:"وللآمال في يدك اصطراع" حيث كنى باصطراع الآمال في يده عن معنى الكرم, وهي كناية خفية الدلالة على ما أراد؛ ذلك أن معنى الاصطراع: الاطّراح على الأرض, يقال: اصطرع القوم وتصارعوا: ألقى بعضهم ببعض على الأرض، فاستعماله في معنى الكرم غير ظاهر لخفاء اللزوم بين المعنيين, كاستعمال جمود العين في معنى السرور. فلا بد إذًا من ارتكاب شيء من التعسف وهو أن يستعمل الاصطراع أولا في معنى التزاحم والتدافع؛ كاستعمال جمود العين في الخلو من الدمع مطلقا، وحينئذ يصح أن ينتقل منه إلى معنى الكرم؛ لأن الكريم عادة يزدحم على بابه ذوو الحاجات؛ يطلبون معروفه:
١ هو أن يستعمل الجمود الذي هو الخلو من الدمع حالة الحزن في خلو العين من الدمع مطلقا, وإلى هنا صح أن يكنى به عن السرور؛ لأن المسرور تخلو عينه من الدمع عادة. غير أن استعمال الجمود في مطلق الخلو من الدمع لينتقل منه إلى السرور مخالف لاستعمالاتهم؛ لهذا كان الكلام معقد المعنى.