للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذا البيت في شدة تعقده قول الآخر:

فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرا رسومها قلما

يصف الشاعر دارا بالية, وأصل الكلام: فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأن قلما خط رسومها؛ ففيه من الفصل، والتقديم، والتأخير ما جعل التعقيد اللفظي في أقبح صورة وأشنعها.

والخفيف كما في قول أبي الطيب المتنبي:

جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل

يصف قوما بحسن الشمائل, وأصل التركيب هكذا: جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر، وهم لا يجفخون بها أي: افتخرت بهم طبائع دالة على ما كان لآبائهم من مناقب ومفاخر وهم لا يفخرون بها؛ لأنهم حاصلون على ما هو خير وأوفى, فقد فصل بين الفعل والفاعل، وهما: "جفخت شيم" بأجنبي هو جملة "وهم لا يجفخون بها" الواقعة حالا، وفصل بين الصفة والموصوف، وهما: "شيم دلائل" بالجار والمجرور، وهما قوله: "على الحسب الأغر". ومثله قول الفرزدق من قصيدة يصف بها ذئبا:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من "يا ذئب" يصطحبان

يريد: نكن يا ذئب مثل من يصطحبان؛ ففصل بين الموصول وصلته وهما: "من يصطحبان" بأجنبي هو قوله: "يا ذئب"، فتعقد اللفظ نوع تعقد.

قيل: لا داعي لذكر التعقيد اللفظي بعد ذكر ضعف التأليف؛ لأن ذكره مغنٍ عن ذكر التعقيد المذكور, إذ لا سبب لهذا التعقيد سوى ضعف التأليف. بل لقد ذهب بعضهم١ إلى أن ذكر أحدهما مغنٍ عن ذكر الآخر, أما إغناء الضعف فلما ذكرنا من أنه لا سبب للتعقيد


١ هو العلامة الخلخالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>