فالحشو المفسد كلفظ "الندى" في قول أبي الطيب المتنبي يرثي غلامًا:
ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لولا لقاء شعوب١
يقول: إنه لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر لولا "الموت", وهو حس جميل، لأنهما إنما عدا من الفضائل لما فيهما من الإقدام على الموت واحتمال المكروه, ولو علم الإنسان أنه لن يموت لم يبال بالمغامرات، وهان عليه اقتحام المخاطر, كما أنه لو أيقن الخلود وزوال المكروه لهان عليه الاحتمال والصبر لوثوقه بالخلاص, أما الندى فعلى العكس من ذلك إذ لو أيقن الإنسان أنه لن يفنى اشتد حرصه على المال مخافة أن ينفد، فيصبح صفر اليدين ما لو علم أنه سيموت، ويترك ماله، فإنه حينئذ يستخف به، ويهون عليه بذله، وإذا لا يظهر لهذا البذل فضل, وحينئذ فنظم "الندى" في سياق الحديث عن الشجاعة والصبر لا يستقيم لفساد المعنى, فهو لذلك حشو مفسد.
والحشو غير المفسد كلفظ "قبله" من قول زهير بن أبي سلمى من قصيدة في إصلاح ذات البين بين قبيلتي عبس وذبيان:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي
يقول: إني محيط علمًا بما مضى، وبما هو حاضر، ولكنني جاهل بما استكن في ضمير المستقبل، فلا أدري ماذا عسى أن يكون في الغد, والشاهد في قوله: "قبله" فهو حشو، ولكنه غير مفسد, أما إنه حشو فلأنه زيادة متعينة، لا لفائدة؛ لأن "الأمس" مفيد للقبلية لدخولها في مفهومه إذ هو اليوم الذي قبل يومك, وأما أنه غير مفسد؛ فلأن المعنى لا يبطل بذكره, ومثله قول الشاعر:
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب
فذكر "الرأس" مع الصداع حشو؛ لأن الصداع لا يكون في غير الرأس، ولكنه غير مفسد، لأن المعنى لا يفسد به.
وقد يحسن الحشو إذا تضمن نكتة لطيفة كما في قول أبي الطيب المتنبي:
١- "الندى" الكرم و"شعوب" بفتح الشين المنية, وهو مأخوذ من الشعبة وهي الفرقة إذ إن المنية تشعب وتفرق بين الأحبة.