للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلا نظر إلى الأفراد، وهذا لا ينافي أن بعض أفراد حقيقة المرأة يفضل بعض أفراد حقيقة الرجل كالسيدة عائشة أم المؤمنين مثلًا فالمنظور إليه في المفاضلة إنما هو الحقيقة لا الفرد، وليس من شك في أن حقيقة الرجل إذا صرف النظر عن الأفراد تفضل حقيقة المرأة.

والثانية: ما يكون مدخولها مرادًا به فردًا مبهمًا من أفراد الحقيقة إذا قامت القرينة على ذلك كقوله تعالى: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} عرف المسند إليه "بأل" للإشارة بها إلى فرد غير معين من أفراد حقيقة الذئب، فليس المراد الحقيقة نفسها بقرينة قوله: {أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} ، إذ الحقيقة من حيث هو أمر لا وجود لها في الخارج، حتى يتحقق منه أكل أو شرب، وليس المراد فردًا معينًا من أفراد الحقيقة، إذ لا عهد في الخارج بذئب معين، فتعين أن يكون المراد فردًا مبهمًا من أفرادها, ومنه قول الشاعر:

ومن طلب العلوم بغير كد ... سيدركها متى شاب الغراب

فليس المراد حقيقة الغراب، بقرينة قوله: "شاب", وليس المراد فردًا معينًا من أفرادها إذ لا عهد بغراب معين، فظهر أن المراد فرد مبهم.

والثالثة: ما يكون مدخولها مرادًا به جميع أفراد الحقيقة, وإنما سميت "لام الاستغراق" لأن المفاد بها: استغراق جميع الأفراد.

وهذه اللام قسمان: لام الاستغراق الحقيقي، ولام الاستغراق العرفي.

فالأولى: ما يكون مدخولها مرادًا به كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغة كقولك: "الغيب يعلمه الله", عرف المسند إليه "بأل"؛ لأن القصد إلى جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الغيب" لغة، أي كل غيب، وكقوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} فالقصد فيه أيضًا إلى جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الإنسان" لغة، أي كل إنسان، بدليل الاستثناء الآتي بعد في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ} ... الآية، فهو أمارة إرادة العموم في الإنسان: إذ شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكر المستثنى.

والثانية: ما يكون مدخولها مرادًا به كل فرد مما يتناول اللفظ بحسب العرف والعادة، كأن تقول: "امتثل الجند أمر الأمير", فإن المراد جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الجند" عرفًا، أي جنود مملكته، لا جنود الدنيا, إذ ليس في وسع الأمير: أن يبسط نفوذه على جنود العالم أجمع عادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>