للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذاك تركته (١) ملقىً بأرض ... له فيها التعلل بالرياح

إذا هبت إليه صبا إليها ... وإن جاءته من كل النواحي

تساعده الجمائم حين يبكي ... فما ينفك موصول النواح (٢)

يخاطبهن مهما طرن شوقاً ... أما فيكن واهبة الجناح ولولا تعلله بالأماني، وتحدث نفسه بزمان التداني، لكان قد قضى نحبه، ولم أبلغكم إلا نعيه أوندبه، لكنه يتعلل من الآمال بالوعد الممطول، ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول، ويحدث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلب، ووثقت بمواعيد الدهر القلب، يناجيها بوحي ضميره، وإيماء تصويره: كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب، والتخلص من ربقة الاغتراب، أبائنه الحضور أم بادية الاضطراب، كأني بك وقد استفزك وله السرور، فصرفك عن مشاهدة الحضور، وعاتك غشاوة الاستعبار للاستبشار، عن اجتلاء محيا ذلك النهار:

يوم يداوي زماناتي من أزماني ... أزال تنغيص أحياني فأحياني

جعلت لله نذراً صومه أبداً ... أفي به وأوفي شرط إيماني

إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت ... أشطان دهر قد التفت بأشطاني

أعده خير أعياد الزمان إذا ... أوطاني السعد فيه ترب أوطاني أرأيت كيف ارتياحي إلى التذكار، وانقيادي إلى معللات توهمات الافكار كأن البعد باستغراقها قد طويت شقته، وذهبت عني مشقته، وكأني بالتخيل بين تلك الخمائل أتنسم صباها، وأتسم رباها، وأجتني أزهارها، وأجتلي أنوارها، وأجول في خمائلها، وأتنعم ببكرها وأصائلها، وأطوف بمعالمها، وأنتشق


(١) الكتيبة: غريب بعدكم.
(٢) الكتيبة: التياح.

<<  <  ج: ص:  >  >>