من بابكم على العذب البرود، فعاقه الدهر عن الورود، واستقبل أفقه ليحقق الرسد، ولكنه أخطأ القصد، ومن أخطأ الغرض أعاد، ورجا من الزمان الإسعاد، فربما خبئ نصيب، أوكان مع الخواطئ سهم مصيب (١) ، وكان يؤمل صحبة ركاب الحجاز، فانتقلت الحقيقة منه إلى المجاز، وقطعت القواطع التي لم ينلها الحساب، ومنعت الموانع التي خلص منها إلى الفتنة الانتساب، ومن طلب الأيام أن تجري على اقتراحه، وجب العمل على اطراحه، فإنما هي البحر الزاخر، الذي لا يدرك منه الآخر، والرياح متغايرة، والسفينة الحائرة، فتارة يتعذر من المرسى الصرف، وتارة تقطع المسافة البعيدة قبل أن يرتد الطرف، هذا إن سالمها عطبها، وأعفي من الوقود حطبها، ولقد علم الله جل جلاله أن لقاء ذلك المقام الكريم عند المملوك تمام المطلوب، ممن يجبر كسر القلوب، فإنه مما انعقد على كماله الإجماع، وصح في عوالي معاليه السماع، وارتفعت في وجود مثاله الأطماع، أخلاقاً هذبها الكرم الوضاح، وسجية كلف بها الكمال الفضاح، وحرصاً على الذكر الجميل وما يتنافس فيه إلا من سمت هممه، وكرمت ذممه، وألفت الخلد رممه، إذ الوجود سراب، وما فوق التراب تراب، ولا يبقى إلا عمل راق، أوذكر بالجميل يسطر في أوراق، حسبما قلت من قصيدة كتبتها على ظهر مكتوب موضوع أشار به من كانت له طاعة، فوفت بمقترحه استطاعة:
يمضي الزمان وكل فان ذاهب ... إلا جميل الذكر فهو الباقي
لم يبق من إيوان كسرى بعد ذا ... ك الحفل إلا الذكر في الأوراق
هل كان للسفاح والمنصور وال ... مهدي من ذكر على الإطلاق
أو للرشيد وللأمين وصنوه ... لولا شباة يراعة الوراق
رجع التراب إلى التراب بما اقتضت ... في كل خلق حكمة الخلاق