للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأ علي أعرابي بالحرم: " طيبي لهم وحسن مآب " فقلت: طوبى فقال: طيبي, فأعدت فقلت: طوبى فقال: طيبي فلما طال علي قلت: طوطو قال: "طي طي"١. أفلا ترى إلى هذا الأعرابي وأنت تعتقده جافيًا كزّا لا دمثًا ولا طيعًا؛ كيف نبا طبعه عن ثقل الواو إلى الياء فلم يؤثر فيه التلقين, ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هز ولا تمرين, وما ظنك به إذا خلي مع سومه٢ وتساند إلى سليقيته٣ ونجره.

وسألت يومًا أبا عبد الله محمد بن العساف العقيلي الجوثي التميمي -تميم٤ جوثة- فقلت له: كيف تقول: ضربت أخوك؟ فقال: أقول: ضربت أخاك. فأدرته٥ على الرفع فأبى, وقال: لا أقول: أخوك أبدًا. قلت: فكيف تقول ضربني أخوك فرفع. فقلت: ألست زعمت أنك لا تقول: أخوك أبدًا, فقال: أيش هذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا إلا أدل شيء على تأملهم مواقع الكلام وإعطائهم إياه في كل موضع حقه, وحصته من الإعراب, عن ميزة٦ وعلى بصيرة, وأنه ليس استرسالًا ولا ترجيمًا. ولو كان كما توهمه هذا


١ كتب هكذا بفصل الكلمتين فإنه لا يريد تكوين كلمة من هذين المقطعين، وفي هامش أ: "طيطي".
٢ أي ترك يفعل كيف يشاء وأصل ذلك في الماشية وهي ترسل المرعى ترعى حيث شاءت؛ فيقال: خلاها وسومها.
٣ كذا في أ. وفي ش وب: "سليقته". وكلاهما صحيح. يقال فلان يقرأ بالسليقية إذا كان يقرأ بطبعه لا عن تعلم. والتجر: الأصل والطبيعة.
٤ جوثة بضم الجيم وسكون الواو: اسم حي أو موضع نسبت إليه تميم. وتميم تقرأ بالنصب أي أعني، وسمع جرها على حذف المضاف وإبقاء جر المضاف إليه أي صاحب تميم، وللكوفيين في الجر توجيه آخر، وانظر الصبان في أول النسب.
٥ يقال: أدرت فلانا على الأمر إذا حاولت إلزامه إياه.
٦ هذا الضبط عن أ. وفي اللسان: ماز الشيء ميزًا وميزة -بكسر الميم- وميّزه: فصل بعضه من بعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>