للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي إنما كانت حوائجنا التي قضيناها, وآرابنا التي أنضيناها١، من هذا النحو الذي هو مسح الأركان وما هو لاحق به وجار في القربة من الله مجراه أي لم يتعد هذا القدر المذكور إلى ما يحتمله أول البيت من التعريض الجاري مجرى التصريح. وأما البيت الثاني فإن فيه:

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وفي هذا ما أذكره لتراه فتعجب ممن عجب منه ووضع من معناه. وذلك أنه لو قال: أخذنا في أحاديثنا ونحو ذلك لكان فيه معنى يكبره أهل النسيب وتعنو له ميعة٢ الماضي الصليب. وذلك أنهم قد شاع عنهم واتسع في محاوراتهم علو قدر الحديث بين الأليفين والفكاهة بجمع شمل المتواصلين؛ ألا ترى إلى قول الهذلي ٣:

وإن حديثًا منك لو تعلمينه ... جنى النخل في ألبان عوذ مطافل٤

وقال آخر:

وحديثها كالغيث يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا

فأصاخ يرجو أن يكون حيًّا ... ويقول من فرح هيا ربا٥

وقال الآخر ٦:

وحدثتني يا سعد عنها فزدتني ... جنونًا فزدني من حديثك يا سعد


١ أي فرغنا منها، من قولهم، أنضى الثوب: أبلاه. وقد نقل ابن الأثير في المثل السائر "المقالة الثانية" معظم كلام ابن جني على البيتين، ولما بلغ هذا الموضع قال: "وآرابنا التي بلغناها".
٢ يريد قوته. وميعة الشباب: نشاطه وأوله. والماضي: نافذ الأمر، الصليب: الشديد ذو الصلابة.
٣ هو أبو ذؤيب: وانظر ديوان الهذليين طبعة الدار ١/ ١٤٠.
٤ رواية ديوان الهذليين واللسان في "طفل": "تبذلينه" بدل "تعلمينه"، والضمير في "تبذلينه" يعود إلى "حديثا" وفي "تعليمنه" للخبر والحكم.
٥ انظر ص٣٠ من هذا الجزء.
٦ هو العباس بن الأحنف. وانظر الديوان المطبوع في استامبول ص٥٨، ومعاهد التنصيص ١/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>