للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعنى الشرط إذًا١ إنما هو مفاد من الصفة لا الموصوف. وكذلك قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} إنما استحقوا الويل لسهوهم عن الصلاة، لا للصلاة نفسها، والسهو مفاد من الصفة لا من٢ الموصوف. فقد ترى إلى اجتماع الصفتين في أن المستحق من المعنى إنما هو لما فيهما من الفعل الذي هو الفرار والسهو، وليس من نفس الموصوفين اللذين هما الموت والمصلون. وليس كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِم} ٣، من قبل أن معنى الفعل المشروط به هنا إنما هو مفاد من نفس الاسم الذي ليس موصوفا، أعنى: الذين ينفقون. وهذا واضح.

وقال لى أبو علي -رحمه الله: إنى لم أودع كتابى" "في الحجة" شيئا من انتزاع أبي العباس غير هذا الموضع، أعنى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} مع قوله:

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه

وكان -رحمه الله- يستحسن الجمع بينهما.

ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع٤ قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ٥ مع قول الأعشى:

حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر٦

والتقاؤهما أن معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، وكذلك قوله: حتى يقول الناس، أى حتى يقول كل واحد من الناس: يا عجبا!؛ ألا ترى أنه


١ سقط في ط.
٢ سقط في ش.
٣ آية ٢٧٤ سورة البقرة.
٤ في ز: "يجتمع".
٥ آية ٤ سورة النور.
٦ قبله -وهو في الغزل:
لو أسندت مبنا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
والناشر: الذي حبي بعد الموت: والقابر وصف من قبر الميت: دفنه، وانظر الصبح المنير ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>